من دفتر الوطن

الليلة عيد

| عصام داري

غداً أول أيام عيد الأضحى المبارك، أعاده اللـه عليكم بالخير واليمن والبركة.

بهذه المناسبة سأبتعد اليوم عن واقع الحال وارتفاع الأسعار والغلاء والبلاء وسأقدم «عيدية» مختلفة قليلاً على طريقتي، والهدية أغنية اعتدنا سماعها مع قدوم كل عيد، وهي أغنية (الليلة عيد).

بإمكانكم هذه الليلة، وبعد ساعات قليلة من نشر هذه المقالة التوجه إلى الأسواق، وخاصة سوق الجزماتية في حي الميدان، حيث محال بيع الحلويات التي بات 90 بالمئة من السوريين يسمعون عنها فقط، المهم، عندما تصلون إلى هذه السوق فستستمعون إلى صوت أم كلثوم وهو يشدو بهذه الأغنية.

للأغنية قصة طريفة جداً، بل قصة غريبة نوعاً ما، لأن خمسة أشخاص ساهموا في صنعها وإطلاقها، وهم كل من أم كلثوم والشاعرين الكبيرين بيرم التونسي وأحمد رامي وشيخ الملحنين زكريا أحمد، أما الشخص الخامس فهو بائع على باب اللـه لم يخطر على باله ولا في الأحلام أن يكون سبباً في أغنية ستغنيها الست أم كلثوم.

القصة وما فيها أن السيدة أم كلثوم كانت في طريقها إلى الإذاعة لتسجيل أغنية «طاب النسيم العليل» عندما سمعت بائعاً يروج لبضاعته ويعبر عن فرحه بقدوم العيد ويقول بصوت عالِ: الليلة عيد ع الدنيا سعيد».

أعجبت كوكب الشرق بهذا النداء وقررت أن تستخدمه في أغنية بمناسبة العيد، وما إن دخلت الإذاعة حتى اجتمعت بالشاعر التونسي الأصل بيرم التونسي فقالت له: «أريد أغنية عن العيد شريطة أن تتضمن جملة سمعتها قبل قليل من بائع في الجوار، وأسمعته نداء البائع».

فوراً أمسك بيرم التونسي القلم وشرع في كتابة الأغنية، لكن بعد وقت قصير شعر بتوعك واعتذر منها ومضى.

وما هي إلا لحظات حتى دخل الشاعر أحمد رامي فروت له أم كلثوم ما حصل وأن بيرم أصيب بوعكة طالبة منه أن يكمل الأغنية فلم يتردد، ومن محاسن المصادفات أن الملحن زكريا أحمد موجود في الإذاعة فلحن الأغنية وتم تسجيلها وإذاعتها لتصبح الأغنية رقم واحد في جميع الإذاعات العربية من ذلك التاريخ في عام 1937 وحتى يومنا هذا، وتذاع عادة عشية الأعياد.

القصة لم تنته بعد، فعندما كانت أم كلثوم تغني أغنية «الليلة عيد» في إحدى حفلاتها، فاجأ الملك فاروق، ملك مصر الحضور وأم كلثوم معاً بدخوله لحضور الحفل، وبعد أن أخذ مكانه تابعت الغناء، لكنها ارتجلت بيتين جديدين موجهين للملك بشكل خاص تقول فيهما:

يعيش فاروق ويتهنى
ونحيلو ليالي العيد
الليلة عيد.. ع الدنيا سعيد
عز وتمجيد يا مليكي..

ربما كانت هذه الأغنية إضافة إلى قربها من القصر الملكي سبباً في أن الضابط المشرف على إذاعة القاهرة بعد ثورة 23 تموز/يوليو منع إذاعة أغاني أم كلثوم نهائياً، بل طالبها باعتزال الفن، لكن جمال عبد الناصر الذي كان رئيساً لمجلس قيادة الثورة تدخل بسرعة وأعاد لها الاعتبار.

اليوم نستمع إلى أغنية «الليلة عيد» التي أذيعت لأول مرة قبل ستة وثمانين عاماً بالتمام والكمال، وكأنها أغنية تم تسجيلها اليوم، ويسألوننا ماذا نعني بالزمن الجميل؟!.

كل عام وأنتم بخير.. والليلة عيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن