في دراسة استشرافية أعدها «المركز السياسي للشعب اليهودي – جي بي بي آي» عام 2019 ونشرها بالعبرية والإنكليزية، يعترف المركز بأن «النظام العالمي الذي فرضته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 حمل لإسرائيل مكاسب إستراتيجية ثبت شرعيتها وبناء قوتها العسكرية وقدرة ردعها واتساع علاقاتها، وحققت في إطار ذلك النظام أهدافاً كثيرة وخاصة في حرب حزيران 1967 وتوسعها الاستيطاني».
وتقر الدراسة بوجود تطورات بدأت تزعزع قواعد هذا النظام وبداية انهيار قوته وهيمنته بفضل الدور الروسي والصيني المتعاظم على عدد من الساحات الإقليمية وفي الساحة الدولية.
وتضيف الدراسة إن «حصانة إسرائيل الإستراتيجية تحددها عوامل مهمة لا تقتصر على طبيعة علاقتها بالولايات المتحدة فقط بل بالمكانة العالمية التي تحتلها الولايات المتحدة وبقائها كقوة كبرى أحادية القطب وبقدرتها على حماية نظامها العالمي والنظام الإقليمي في الشرق الأوسط، بل إن أي تدهور في نظام قوة الحلف الأطلسي سيؤدي إلى تدهور قدرة الردع الإسرائيلية وضعف دورها كقوة إقليمية»، وتدعو الدراسة إلى ضرورة قيام إسرائيل بالاستعداد لمواجهة تحديات صعبة ستفرض عليها عندما يزداد تدهور قوة النظام العالمي الأميركي واستبداله بلاعبين مثل روسيا والصين، كقوتين كبريين والدول الإقليمية المتحالفة معهما في مختلف القارات، والمقصود هنا محور المقاومة وكوريا الشمالية ودول «بريكس». وتوضح الدراسة أن مثل هذا التطور المقبل في تدهور النظام العالمي الأميركي سيؤدي إلى تخفيض قدرة واشنطن وحلف الأطلسي والمنظمات الصهيونية العالمية في حماية شرعية إسرائيل وسياساتها في الأراضي المحتلة بل في قدرتها على البقاء، لأن اللاعبين الجدد في النظام العالمي الجديد لم يكن لهم دور ولا علاقة في صناعة الكيان الإسرائيلي الذي صنعه النظام الاستعماري العالمي البريطاني – الأميركي ووظفه لحماية مصالحه في الشرق الأوسط على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه وتاريخه.
ولا شك أن الكيان الإسرائيلي لن يتوقع أن يقف اللاعبون الجدد في النظام العالمي الجديد إلى جانبه وهو الذي ولد من رحم القوى الاستعمارية العالمية التي كانت تعلن الحرب على روسيا منذ الخمسينيات في أثناء الحرب الباردة بين موسكو والعالم الغربي، وهي القوى الاستعمارية نفسها التي استعمرت الصين وارتكبت المذابح فيها وفي معظم قارة آسيا وأميركا اللاتينية، ويبدو أن موقف الكيان بعدم الظهور بمظهر المشارك علناً في الحرب الأميركية – الغربية التي تشن على روسيا والصين في أوكرانيا وتايوان، يعد من بين الأسباب التي فرضت عليه تجنب حرق كل أوراقه مع القوى الكبرى الصاعدة، وهو الذي يدرك أن الزمن لم يعد يعمل لمصلحة النظام العالمي الذي صنعه منذ أكثر من قرن من الزمن.
ولذلك تقدم دراسة هذا المركز العالمي اليهودي عدداً من التوصيات للحكومة الإسرائيلية أهمها:
1- يتعين إعادة التفكير بصيغة التحالف الإستراتيجي مع واشنطن بميزان التغيرات التي يمكن أن تظهر على النظام العالمي ومن منظور أن تضيف صيغة الأولوية مع واشنطن خدمة للسياسة الأميركية.
2- يتعين على إسرائيل إذا ما سادت حالة عدم استقرار في النظام العالمي، أن تعد نفسها للعمل وحدها في مواجهة تحديات كبيرة الحجم، أمام إيران على سبيل المثال، وبشكل يستدعي زيادة قدراتها العسكرية والاقتصادية.
3- يتعين على إسرائيل العمل على تعزيز علاقاتها مع موسكو وبكين لأن وزنهما في النظام العالمي المحتمل له أهمية كبيرة في رسم السياسات المقبلة وتوازناتها.
والحقيقة هي أن هذه التوصيات جرى وضعها عام 2019 أي قبل التطورات المتسارعة في أوروبا والحرب التي تشنها واشنطن وحلف الأطلسي ضد روسيا في أوكرانيا وبعد ظهور نتائجها الواضحة في هزيمة واشنطن والغرب واقتراب انتهاء هذه الحرب بمفاوضات أو بغير مفاوضات، لكنها مع ذلك تؤكد أن الكيان لا يرغب في استفزاز موسكو أو بكين ويجد نفسه مع هزيمة الغرب مهزوما وسيدفع ثمن انتصار روسيا والصين وحلفائهما في أي نظام عالمي جديد ينهي أو يخفض هيمنة النظام الأميركي الأحادي القطب، أما مسألة محاولة الكيان تعزيز علاقته بروسيا والصين في هذه الظروف فلن تتحقق ولن تحقق له البقاء لأن محور المقاومة، وهو الحليف المركزي للصين وروسيا سيفرض شروطه على الكيان المهزوم في النهاية.