تحدثنا في تشرين الأول الماضي، عن حديقة الطلائع في المزة بدمشق، بتحفيز من سيدة اشتكت من إغلاق أبواب تلك الحديقة القريبة من بيتها، لتيبيس أشجارها وتحويلها إلى مشروع استثماري!.
قابلنا آنذاك مدير الحدائق بدمشق، فنفى نية التمويت ووعدنا أنها ستفتتح قريباً سواء أقيم تحتها مرآب للسيارات أم لا.
وها قد مضى ثمانية أشهر على هذا الوعد، دون أن ينفذ، فإذا بالحديقة التي كانت غابة أخاذة على امتداد 42 ألف متر مربع، تدهور حالها ففقدت الكثير من أشجارها، ويبس الكثير منها أيضاً، واندثرت ورودها واصفرت مروجها وتصحرت أرضها تماماً.
ولعل ما حفزنا على فتح ملفها مجدداً (العيد) عيد الأضحى المبارك، (28حزيران- 1تموز 2023)، إذ بدت في سياقه ضرورة حيوية فائقة الأهمية للأطفال وكانوا يمرون بمحاذاتها مع أهاليهم كالسيل الجارف، وتصدمهم أبوابها المغلقة الصدئة، ويتابعون طريقهم تائهين تحت الشمس الحارقة، علماً أن دمشق من أفقر مدن العالم بالحدائق: نصف متر مربع لكل نسمة، علماً أن المعيار العالمي 30متراً مربعاً لكل إنسان.
ولعل ما جعل غيابها في هذا العيد مفجعاً حقاً، الغلاء الفاحش على كل الصعد: السفر وتكاليفه الباهظة وأجور النقل المرتفعة، والتكاليف المرتفعة جداً للمقاهي ولو كانت شعبية، والمطاعم والمنتجعات.
ألا يعرف أصحاب القرار أن الحديقة متنفس روحي وجسدي للناس، وامتيازها أنها مجانية.
وإذا كانوا لا يعرفون هذه الحقيقة، فثمة بديهية شائعة شعبياً: إن الحدائق رئات المدن.
وتبدو دمشق الآن (التي كانت فيحاء ذات يوم)، مأزومة بيئياً، على نحو مفجع، إذ فقدت جزءاً كبيراً من غوطتيها، وجفت أغلب ينابيعها وأنهارها، وباتت عارية في مواجهة العواصف القادمة إليها من الصحارى المحلية والعربية، عواصف غبارية بكل معنى الكلمة، لم تكن تعرفها – الفيحاء- سابقاً.
ليست الحدائق رئات المدن وحسب، بل هي غاباتها وواحاتها، ولا مستقبل لها دونها، ولاسيما في ظل حركة السير الكثيفة المسؤولة عن تلوث الهواء بنسبة 70 بالمئة.
وسورية بشكل عام وبسبب الحرب الجائرة والحرائق المفتعلة، فقدت جزءاً مهماً جداً من غاباتها وبالتالي عشرات الملايين من أشجارها، وهذا خطير جداً، لأن الغابات حاضن للماء العذب ولأن الأشجار مصاف للغازات الملوثة للبيئة.
كانت مشاتلنا تنتج 30 مليون شجيرة في السنة، وكنا _قبل الحرب_ وفي سياق التشجير الاصطناعي نغرس هذه الأشجار في24 ألف هكتار. هبطت هذه الأرقام هبوطاً شديداً أثناء الحرب وحالياً.
إن تحويل الحدائق إلى غابات صغيرة، عمل سهل ومتاح، لعله يرمم خسائرنا الغابية وفقداننا لملايين الأشجار، التي نحتاجها الآن حاجة ماسة للحد من ارتفاع درجات الحرارة والعثور على ملاذات ذات أفياء كثيفة ومصاف لتقليص تلوث الهواء في بلادنا، ومدننا بشكل خاص.
هل تنسجم هذه الحقائق مع الأداء الراهن لمديرية الحدائق في دمشق..؟ وكيف تسكت المحافظة، محافظة مدينة دمشق، كل هذه السنوات على إغلاق إحدى أكبر حدائق العاصمة، علماً أن حدائق كثيرة في دمشق الآن مغلقة لأسباب مبهمة.
بحثنا في المعاجم عن معنى كلمة قريباً فلم نجد أن المقصود بها عدة سنوات أو عدة أشهر.
قريبا تعني عدة أسابيع كحد أقصى، ونحن هنا نذكر مدير الحدائق بوعوده.
ولسنا ضد مرآب للسيارات تحت الحديقة لا يضر بغطائها النباتي ولا يمنع تكثيف الأشجار فيها، لكن مشروعاً كهذا يحتاج إلى إعلانات للمستثمرين، وإذا فشلت المناقصات، تقوم ورشات المحافظة بإنجازها.
الحديث عن المرائب بدأ منذ تخريب حديقة السبكي في العام 2011، بحجة تحديثها، وتم التحديث في العام 2016 من دون مرآب.
ثمة ما هو مبهم في التعامل مع حدائق دمشق وغير ذي نفع وطني، إذ يجب الاضطلاع باحتياجات الحدائق بمسؤولية عالية.