قبل أيام قليلة حذر المستشار السابق لرئيس الحكومة الإسرائيلية سابقاً إسحاق رابين البروفيسور يورام بيري في ندوة سياسية في تل أبيب من تفكك الولايات المتحدة تحت عنوان «هل بدأت نهاية أميركا.. وهل تقترب من التفتت؟»، قال فيها إنه لاحظ أن أهم المكتبات الأميركية التي تبيع الكتب السياسية تعرض كتباً حديثة تحمل عناوين متشابهة وحدد عدداً من هذه الكتب وهي:
1- الولايات المنقسمة الأميركية، 2- أميركا وتزايد الانقسام فيها، 3- أميركا والفرز والاستقطاب، 4- أميركا والحرب الباردة الجديدة، 5 – أميركا والسير نحو الانهيار.
ويشير بيري إلى أن المؤلفين لهذه الكتب هم من أهم الكتاب السياسيين الذين اعتادوا عرض تحليلاتهم في أهم الصحف والمجلات الأميركية وفي جميع هذه الكتب يجري الحديث عن موضوع واحد هو الانقسام والتفتت الأميركي.
ويسجل التاريخ الذي صنعت عبره وولدت الولايات المتحدة أنها قامت على شن حروب عنصرية نفذها المهاجرون البيض بأصحاب البلاد الهنود الحمر، ثم حين انتصر البيض على أصحاب الأرض، ظهرت حرب البيض ضد السود ولم تنته هذه عند قسم من الأميركيين المتشددين حتى الآن بل اتسعت لتشمل حرباً بين البيض اليانكي الأميركي وبين الإسبانو أميركانو أي المواطنين من أصل أميركي لاتيني وينطقون بالإسبانية.
وكانت الإدارات الأميركية في القرنين الماضيين تمتص آثار ومضاعفات تلك الحروب أو النزاعات العنصرية الداخلية بشن الحروب الخارجية، فقد انشغلت بحروب ضد دول أميركا اللاتينية في القرن التاسع عشر، ثم في حرب عالمية أولى وثانية، ثم حرب باردة في القرن العشرين، للمحافظة على ما كسبته من حروبها التاريخية ضد الشعوب الأخرى، ومن دون أن تتعرض في حدودها لأي حرب تهدد جيشها، وكانت بالتالي تفرض حدود أمنها القومي من حدود القارات الأخرى، فتنشر جيوشها فيها وتمنع أي قوة تتفوق عليها في بقية أنحاء العالم.
ولا شك أن الكتب الحديثة التي حملت تلك العناوين تتطرق الآن إلى الحرب التي تشنها الولايات المتحدة وحلف الأطلسي على روسيا وما يمكن أن تسببه من تفتت للقوة الأميركية ونفوذها في العالم فهي حرب تختلف عن كل الحروب التي خاضتها الامبريالية الأميركية في العالم لأنها حرب ضد قوتين عظميين هما روسيا والصين وتتسع ساحتها لتشمل أوروبا وآسيا بشكل خاص وهما أكبر قارتين في عدد السكان وفي المساحة الجغرافية وقد تمتد لأول مرة إلى أراضي الولايات المتحدة.
ويذكر أن الدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية في الهجوم ضد بعضها بعضاً عام 1939 لم تقم حكوماتها باستشارة شعوبها حول المشاركة أم عدم المشاركة، أما في هذه الحرب فالمسألة مختلفة جداً لأن بعض الحكومات في حلف الأطلسي ولو قررت المشاركة فلن تجد لنفسها جيشاً قادراً أو جمهوراً راغباً بمثل هذه الحرب، وها هي فرنسا وقبل أن تنغمس عميقاً في حربها غير المباشرة ضد روسيا، أصبحت تواجه حرباً داخلية تعود لمضاعفات الملفات العنصرية إضافة لأزمة الاقتصاد وانعدام النمو الاقتصادي الذي يترافق مع العجز عن سداد القروض التي بلغت قيمتها عدة تريليونات.
وهذا هو ما تعاني منه ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا نفسه التي تعول واشنطن على مشاركة حكوماتها في الحرب غير المباشرة والمستمرة ضد روسيا. ويبدو أن الكتاب السياسيين الأميركيين أدركوا من هذه اللحظة أن هذه الحرب الأميركية على روسيا وتحضير حرب أخرى على الصين سيؤدي إلى تفكيك الولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها.
يحذر البروفيسور بيري من نتيجة كهذه لأن الكيان الإسرائيلي سيفقد جزءاً كبيراً وإستراتيجياً من قوته حين تتفكك الدولة الإمبريالية التي تضمن بقاءه منذ عشرات السنين ويصبح عرضة للزوال.