اتفاق أوروبي روسي على ضرورة عدم التخلي عن «مسار فيينا» لحل الأزمة السورية وموسكو تدخل على خط الأزمة بين الرياض وطهران
| الوطن – وكالات
دخلت روسيا أمس على خط الأزمة المتصاعدة بين إيران والسعودية. وانطلاقاً من حرصها على وحدة الرؤية بين الدول الإسلامية لحل الأزمات في المنطقة عموماً، وسورية خصوصاً، عرضت موسكو وساطتها بين السعوديين والإيرانيين داعيةً كلا الجانبين إلى مواصلة العمل ضمن مسار «فيينا» لحل الأزمة السورية.
واللافت أن الغرب المتحفظ على «اللعبة السعودية الخطرة» بإعدام نمر النمر أصلاً، أبدى قلقه من قطع السعودية لعلاقاتها مع إيران. ومال الاتحاد الأوروبي نحو الموقف الروسي، لكنه فضل عدم التعليق بشكل مباشر على قطع الرياض العلاقات مع السعودية، مكتفياً بدعوة جميع الأطراف لعدم التخلي عن التزامها بمسار «فيينا». وبينما أعرب مسؤولون في الإدارة الأميركية عن قلقهم من تداعيات التوتر على الحملة ضد تنظيم داعش المدرج على اللائحة الدولية للتنظيمات الإرهابية والجهود الدبلوماسية لحل الأزمة السورية، دعت برلين إلى استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، ولوحت للرياض بورقة التسليح.
وحتى أمس، امتنعت موسكو عن التعليق على الأزمة بين السعودية وإيران، ولاذت بالصمت حيال إعدام الرياض لنمر النمر، الذي فجر غضباً شديداً في إيران وأدى إلى اجتياح السفارة والقنصلية السعوديتين. إلا أن موسكو قررت عدم البقاء في موقف المتفرج بعد قطع الرياض لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران. وفي هذا السياق، اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن «الاعتداءات على بعثات دبلوماسية أجنبية لا يمكن النظر إليها وتحت أي ظرف من الظروف، على أنها وسيلة شرعية لاحتجاج وتعبير عن آراء سياسية»، من دون أن تصل إلى إدانة اجتياح متظاهرين إيرانيين للبعثات السعودية. ولفتت الوزارة في بيان لها، نقله موقع قناة «روسيا اليوم» الإلكتروني، إلى أن الدول المستضيفة لهذه البعثات ملزمة لضمان الأمن الكامل لها «وفقاً لما تتطلبه الاتفاقيات الدولية المعروفة».
وأعربت الخارجية الروسية عن قلق موسكو الشديد «إزاء تفاقم الأوضاع في الشرق الأوسط بمشاركة أكبر دولتين إقليميتين، هما، السعودية وإيران، اللتان ترتبط روسيا معهما بعلاقات ودية تقليدية»، وحثت كلاً من «طهران والرياض وغيرهما من دول الخليج، بإلحاح، على التحلي بضبط النفس وتجنب أي خطوات من شأنها زيادة الوضع تعقيداً وتؤدي إلى تصاعد التوترات، بما في ذلك ذات طابع طائفي».
وأعربت الخارجية عن قناعة موسكو أن المشكلات والخلافات بين دول يمكن، بل يجب، إيجاد حل لها بطريقة «الحوار وراء طاولة المفاوضات»، مؤكدةً استعداد روسيا إلى تقديم مساعدتها لهذه الجهود.
وفي وقت سابق من يوم أمس، أعلن مصدر في وزارة الخارجية الروسية لوكالة الأنباء الفرنسية أن موسكو مستعدة للقيام بـ«وساطة بين الرياض وطهران» من دون تفاصيل حول دور موسكو المحتمل في حل الأزمة.
لكن مصدراً دبلوماسياً روسياً قال حسبما نقلت وكالة «تاس» الروسية للأنباء: إن موسكو مستعدة لاستضافة محادثات بين وزيري خارجية السعودية عادل الجبير وإيران محمد جواد ظريف. وقال المصدر رافضاً الكشف عن اسمه «إذا أبدى شركاؤنا، السعودية وإيران، استعدادهم ورغبتهم، فإن مبادرتنا تبقى مطروحة على الطاولة».
من جهة أخرى نقلت وكالة «نوفوستي» الروسية للأنباء عن مصدر دبلوماسي في الخارجية الروسية قوله إن موسكو كانت دائماً حريصة «لتكون لدى المسلمين رؤية مشتركة، لدى السنة والشيعة، في إطار منظمة التعاون الإسلامي، وكذلك في المنظمات الدولية الأخرى، ورؤية مشتركة كذلك فيما يخص المشكلات الدولية والإقليمية، بما في ذلك الأزمة السورية والوضع في منطقة الخليج». وأشار إلى أن موسكو تدعو لمواصلة المباحثات بصيغة فيينا حول سورية، بمشاركة كل من إيران والسعودية.
كما أعرب عن أمل موسكو أن تواصل «مجموعة الدعم الدولية لسورية» عملها على الرغم من قطع العلاقات بين الرياض وطهران.
في بروكسل كررت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، دعوة الاتحاد الأوروبي لكافة القوى الإقليمية في الشرق الأوسط للتصرف بمسؤولية ومنع تدهور الوضع وتأجيج العنف الطائفي.
ولم تعلق موغيريني في بيانها الذي أصدرته المتحدثة باسمها كاترين ري، وفق ما نقلت وكالة «آكي» الإيطالية، على التوتر المتصاعد بين الرياض وطهران، لكنها أكدت ضرورة تجنب أي عمل من شأنه تأزيم الوضع.
وأشارت إلى أن ما يحدث الآن لن يثني الاتحاد الأوروبي عن الاستمرار في دعوة كافة الأطراف الإقليمية والدولية إلى عدم التخلي عن التزامها العمل معاً للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، في إطار ما عُرف إعلامياً بـ«صيغة فيينا».
وأقرت مصادر أوروبية مطلعة لوكالة «آكي»، أن دوائر صنع القرار ترى من الصعب عملياً، في الأجواء الحالية، إستمرار تعاون الطرفين المعنيين، أي الرياض وطهران، على حل الملف السوري، «ولكننا سنبذل كل جهدنا للتوصل إلى هذا الهدف»، وفق كلامها.
في برلين، قال ستيفن سيبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ندعو السعودية وإيران: «إلى الاستفادة من كل الإمكانات لاستئناف علاقاتهما» الدبلوماسية المتوقفة منذ أول أمس. وبدوره، أورد مارتن شافر المتحدث باسم وزير الخارجية فرانك – فالتر شتاينماير، «لا شك في أنه لا يمكن التوصل إلى حل الأزمتين (في سورية واليمن) والأزمات الأخرى، إلا إذا كانت القوة السنية العظمى، أي السعودية، وإيران الشيعية، على استعداد لأن يقوم كل منهما بخطوة في اتجاه الآخر».
وأضاف شافر: «منذ سنوات، تحرص المجموعة الدولية ومنها ألمانيا على المساهمة على تخفيف حدة النزاعات»، وأردف قائلاً: «على السعودية وإيران المساهمة أيضاً في إيجاد حل للأزمات».
وقالت وزارة الاقتصاد الألمانية من جهتها: إنها تتابع «التطورات» في السعودية التي «ستؤخذ في الاعتبار» عندما سيحين وقت البت في القرارات المتعلقة بتصدير الأسلحة أو المعدات الدفاعية الأخرى إلى هذا البلد، كما قال متحدث باسمها.
وقال المتحدث باسم ميركل في هذا الصدد: إن «من مصلحة ألمانيا إجراء حوار مع السعودية». وأضاف «نحرص على قيام علاقة بناءة مع الرياض».
من جهة أخرى ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن مسؤولي إدارة الرئيس باراك أوباما أعربوا عن قلق عميق من أن التصعيد الحاد في التوترات بين السعودية وإيران يمكن أن يكون لها تداعيات تمتد إلى الحرب ضد داعش في سورية والعراق، والجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في سورية والجهود الأكبر لجلب الاستقرار للشرق الأوسط.
وذكرت الصحيفة، بحسب موقع «اليوم السابع»، أن مسؤولي إدارة أوباما انتقدوا السعوديين سراً لإعدام النمر.
ونقلت «واشنطن بوست» عن مسؤول رفض الكشف عن هويته، قوله: إن «تلك لعبة خطيرة يلعبونها (السعوديين)، فهناك تداعيات أكبر من رد الفعل على الإعدام منها ضرر بمبادرات مواجهة داعش إلى جانب عملية السلام السورية».