مشهد العلاقات الصينية العربية الحالي يؤكد توافق المصالح المشتركة وإطلاق فرص الاستثمار، ما يحقق التقدم والازدهار للطرفين، وقد أكد أحد نواب رئيس الهيئة الاستشارية السياسية في الصين؛ استعداد بلاده للعمل مع الدول العربية لتنفيذ نتائج القمة الصينية العربية الأولى، وبناء وتطوير شراكة إستراتيجية صينية عربية، وثمة أمثلة للدلالة على الدور الصيني الجديد في المنطقة العربية، أولها، دبلوماسية القمم في كانون الأول 2022، التي شهدت 3 قمم: «سعودية صينية، وخليجية صينية، وعربية صينية»، والتي أسست لمقاربات جديدة في العلاقات.
ثانيهاً، الدور الصيني في استضافة ورعاية المصالحة السعودية الإيرانية التي تؤسس لعلاقات ومسار جديد، وتعكس العلاقات الخاصة التي تربط بكين بالقوتين الإقليميتين.
ثالثهاً، مؤتمر «الدورة العاشرة» لرجال الأعمال العرب والصينيين في الرياض قي حزيران 2023 الذي شكل نقلة نوعية في العلاقات، وحجم الاتفاقيات التي تم التوصل إليها.
وإضافة إلى ذلك، مبادرة «الحزام والطريق» التي تعتبر الكرة الأرضية وأبعادها الاقتصادية والجيوسياسية يضاف إلى ذلك إن سورية والصين وقعتا في العام الماضي مذكرة تفاهم في إطار مبادرة الحزام والطريق، وذلك في سياق تطوير العلاقات الصينية العربية.
ويضاف إلى ذلك القمة الصينية الفلسطينية التي انعقدت في بكين حزيران 2023، واستعداد الصين للعب دور وساطة للمساعدة في جهود السلام، والقضية الفلسطينية لإعادة إحياء عملية السلام.
إذا نظرنا إلى لعبة التنافس بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط نستطيع أن نصف الولايات المتحدة بأنها القوة المتراجعة في موقعها ونفوذها، كما نستطيع أن نصف روسيا الاتحادية بالقوة العائدة كوريث لدور الاتحاد السوفييتي.
أما الصين فهي القوة القادمة بدينامية تقوم على البراغماتية لبناء علاقات جديدة وإعطائها أبعاداً مختلفة من الاقتصاد، استثماراً وتجارة إلى السياسة، وإلى التعاون المتعدد الأبعاد.
الصين تمكنت في فترة قصيرة نسبياً، عبر مبادرة «الحزام والطريق» ودبلوماسية بكين الناشطة، من إقامة علاقات متوازنة مع مختلف القوى الرئيسية في المنطقة: القوى العربية وإيران وتركيا، الأمر الذي تفتقده واشنطن.
إن ما يزيد من إضعاف الموقف الأميركي: الانحياز الكلي لإسرائيل مع تداعيات ذلك على علاقاتها ودورها في المنطقة، وكذلك التوتر الأميركي الإيراني، وخاصة حول الشأن النووي.
مؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب، أكد الإمكانات الكبيرة والرؤى المشتركة، وتكريس الصداقة العربية الصينية، وبناء مستقبل مشترك نحو عصرٍ جديدٍ، يمكن تسميته «طريق الحرير الصيني العربي» والحدث يؤكد الأهمية البالغة والإمكانات الكبيرة والرؤى المشتركة.
في إطار نتائج زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في كانون الأول 2022، مع إطلاق أول قمة عربية صينية، أثمرت عديداً من الاتفاقيات وتفاهمات بقيمة تجاوزت 50 مليار دولار.
الصين الشريك التجاري الأكبر للدول العربية، وبلغ التبادل التجاري بين الجانبين 430 مليار دولار في العام الفائت، بمعدل نمو 31 في المئة، مقارنة بين عام 2021 واليوم.
هنالك قوة عظمى ثالثة، هي الصين، في النظام العالمي الجديد الذي تتبلور تباعاً قواعده وطبيعة وأنماط تحالفاته، والعلاقات بين قواه الرئيسية: وهو نظام متعدد الأقطاب ولابد من أن نوضح في هذا السياق أن الصين تنفذ مبادرة «حزام واحد طريق واحد»، وتعتبر أكبر مشاريع البنية التّحتيّة والاستثمار في تاريخ البشرية، لتعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين الدول التي يمر بها، وأطلقت الصين مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» إحياءً لطريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، وتغطي المبادرة اليوم نحو 65 بالمئة من سكان العالم، وما يقرب 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
أنفقت الصين أكثر من 900 مليار دولار على هذه المبادرة التي تتضمن محاور ثلاثة: المحور التجاري، المحور النقدي، والمحور الجيوسياسي، وبالنسبة للشّرق الأوسط تشير خطط المبادرة إلى ستة خطوط، يمر نصفها أو ينتهي على ضفاف البحر المتوسط.
تعد هذه المبادرة منافسة لاتفاقية الشراكة التجارية للدول المطلة على الأطلنطي التي تقودها الولايات المتحدة، وقد أكد الرئيس الصيني أن المبادرة ستواصل رفض «الحمائية»، في انتقاد لواشنطن التي تبنّت سياسات حمائية في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حيث إن الدور الصيني المتنوع في علاقاته ومضامينه، في الشرق الأوسط، يعزز الوجود الصيني في المنطقة العربية التي تحتل أهمية استراتيجية خاصة على المستوى الدولي بسبب موقعها كنقطة تواصل بين القارات الثلاث الآسيوية والأوروبية والإفريقية، كما يؤشر إلى مكانة الصين التي تتكرس على مستوى النظام العالمي الجديد.
ختاماً الصين حاضرة في العالم العربي ومرحب بها والتواصل بين الدول العربية والصين سيعزز التواصل الحضاري ويُسهم في التطور والتقدم للبشرية، فقد آن الأوان لتكون الصين شريكاً استثمارياً رئيساً في مسيرة التنمية التي تشهدها المنطقة العربية وبناء مستقبل مشترك يبشر بعصرٍ جديد.