ثقافة وفن

الموسيقا السورية تأثرت وأثّرت وانتشرت في أصقاع واسعة.. نزيه أسعد لـ«الوطن»: الثقافة السورية امتزجت بثقافات كثيرة وأحدثت تأثيراً مهماً

| مصعب أيوب

تعتبر الموسيقا جزءاً مهماً من التاريخ والتراث الثقافي لأي مجتمع، وتستخدم لتعزيز الهوية الثقافية والموسيقا لغة تصل إلى السامع عبر وسائلها الأساسية، وهي الآلات الموسيقية على اختلاف أشكالها وتقنياتها سواء كانت آلات بدائية أم متطوّرة، إلا أنها تعتبر وسيلة للتعبير حسب البيئة ودرجة التحضّر، وربما تمتد لغة الموسيقا إلى التفاعل والتواصل حتى مع المخلوقات غير العاقلة، إذ إنها تؤثر على فعاليات وسلوك الحيوانات، وأوضح مثال على ذلك تأثيرها على حيوانات السيرك المدرّبة.

انتشار واسع

لا يوجد دليل واضح وإثبات موثق حول تاريخ وبداية الموسيقا ولكن يرجح الجميع أنها خلقت مع الإنسان البدائي منذ بداية رحلته في معاركة صعاب الحياة وقد تطورت تطوراً سريعاً وانتشرت انتشاراً واسعاً وكان لها دور كبير في العديد من التجمعات وأمسيات الكنائس وصولاً إلى حفلات الزفاف لتصبح شكلاً من أشكال الثقافة ولغة للتعبير عما يدور في خلجات الصدور، وحول ذلك حدثنا المدرس في المعهد العالي للموسيقا نزيه أسعد بأن الموسيقا السورية بدأت مع بداية الحضارة السورية منطلقة من شمال شرق سورية وشمال شرق العراق وانتشرت بشكل أفقي عبر الأسفار والحلقات التجارية ومن خلال الأشخاص المسافرين وحملة المواد التجارية فنشروا ما لديهم من حضارات وثقافات وكانت الموسيقا من أبرز معالم تلك الحضارة وقد استخدمت الموسيقا الآشورية بالتعاون مع الآلات الموسيقية البدائية المصنوعة مما توفره الطبيعة ومنها آلات النفخ والوتريات لتنشأ فيما بعد حالة موسيقية عرفت بالآشورية وانطلقت إلى الغرب السوري مع الفينيقيين ونشأت آن ذاك موسيقا من نوع آخر تشبه إلى حد ما موسيقا بلاد ما بين النهرين، مضيفاً: إن الأبجدية الأولى استكشفت في أوغاريت في رأس شمرا واستطاع كثيرون في العالم الاستفادة منها في نوطات معينة لتنتشر عبر الفرق الموسيقية ووزعت الموسيقا بشكل عام من سورية إلى أصقاع واسعة من الأرض.

مزج عربي ـ تركي

وعن الآلات الموسيقية يقول أسعد: إن القيثارة كان لها أصول سومرية وكان لها جانب تاريخي مهم مبيناً أن العصر الأموي شهد حالة انتعاش شعري وموسيقي وغنائي مميزة وكذلك الأمر في العهد العباسي حيث إن الأشعار التي كان ينظمها الشعراء يتم تلحينها وغناؤها، والموسيقا العربية غنائية بطبيعة الحال والشعر يؤدي دوراً مهماً فيها، وقد تأثرت الموسيقا بعد سقوط الدولة الأموية بتداخلات عدة من خلال التلاقح بين الثقافة السورية والثقافات الأخيرة ومنها الفارسية واليونانية والرومانية وغيرها وكذلك الثقافة التركية بعد أن هيمنت السلطنة العثمانية على مناطق واسعة من دول الوطن العربي فأصبح لدينا هويتان ثقافيتان.

الأغنية التوشيحية

وأشار إلى أنه بعد جلاء الاحتلال العثماني ظهر ما يعرف بالموشحات التي أسس لها أبو خليل القباني الذي كان شاعراً وملحناً بالإضافة لبراعته المسرحية فأعطى الصبغة الغنائية التوشيحية للعمل الغنائي السوري بالإضافة لبعض الأغنيات التي أكدها من خلال مسرحه ووجوده في مصر عندما نشر الألحان والأعمال الموسيقية في مصر بنفس سوري أصيل، كما أكد أنه مؤخراً ومنذ ما يقرب من الخمسين عاماً بدأ استعمال الموسيقا في المناسبات الشعبية والرسمية على اختلافها فتم استخدام الألحان الرشيقة والمرحبة التي تتغزل بالحياة والأشخاص.

حضارات متعاقبة

وبينت عازفة الكمان في الأوركسترا السورية الوطنية ديمة خيربك أن أول نوطة موسيقية ظهرت في أوغاريت حيث كانت موجودة على رقيم من الصلصال في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، كما بينت أن احتراف صناعة الآلات الموسيقية البدائية والتي منها القيثارة كان في دويلة ماري بالقرب من نهر الفرات حيث اكتشفت فيها أقدم لوحة لفرقة موسيقية مؤكدةً أن الألحان عرفت في سورية منذ تواريخ قديمة فبانتشار الديانة المسيحية زاد انتشار الموسيقا والآلات الموسيقية حيث كانت تلحن التراتيل تبعاً للموسيقا الشعبية، وأشارت خير بيك إلى أنه بعد وصول الإسلام إلى بلاد الشام حدث مزج في المجتمع من خلال العادات والفنون والتقاليد المجتمعية والبيئية، وأوضحت أن الموسيقا السريانية أثرت بشكل كبير في الموسيقا الشرقية والغربية مبينة أن المقامات انتقلت بواسطة العديد من الحضارات التي تعاقبت على أرض سورية وبطبيعة الحال فقد تأثرت الموسيقا السورية بالأرمن والآشوريين والأكراد.

خليط موسيقي

وأكدت خيربك أن عازفة معبد عشتار المعروفة بـ«أورنينا» دائماً كانت رمزاً للموسيقا والغناء، وشددت على أن رواداً كثراً للغناء والموسيقا يسجلون في كتب تاريخ الموسيقا وأهم مؤسسيها ومن أهمهم أبي خليل القباني فهو صاحب العديد من الموشحات، ونوهت أن للموسيقا السورية والموسيقيين السوريين أهمية كبيرة ولعل ما يشهد على ذلك الحفلات الموسيقية التي قام ويدعى لها الملحنون والمؤلفون الموسيقيون السوريون وأهمهم المؤلف الموسيقي إياد ريماوي حيث كانت من ضمن الفرقة التي رافقته في حفل «إكسبو دبي» وتم تقديم أنشودة «نيكال» الأغنية الأولى التي كانت موجودة على رقم أوغاريتي وكذلك تراتيل كنسية وأغاني صوفية إسلامية وموسيقا سريانية، فتم تقديم خليط متنوع من الموسيقا السورية عبر الحضارات المتعاقبة التي عاشت على هذه الأرض.

تؤثر الموسيقا على الحالة المزاجية تبعاً لرغبة الإنسان في التغيير فتعد الموسيقا الكلاسيكية مهدئاً طبيعياً، ويلاحظ ذلك من خلال مقدار هذا النوع الموسيقي الذي يظهر في قوائم التشغيل الخاصة بالدراسة والعمل والتركيز، وتسهم الموسيقا الراقصة في جعل سامعها سعيداً بشكل واضح، وقد أظهرت دراسات عدة أن الدماغ والموسيقا يتصلان بشكل وثيق بأسلوب فطري، ولعل الجميل في الموسيقا أنه رغم اختلاف الثقافات واللغات حول العالم فإنه يمكنك أن تعرف إذا ما كانت الأغنية حزينة أم سعيدة من ألحانها والموسيقا التي ترافقها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن