من دفتر الوطن

اغفر لنفسك

| ‎عبد الفتاح العوض

إحدى روايات تولستوي تدور حول قاضٍ حصر جلّ اهتمامه في عمله متناسياً الكثير من شؤون حياته الأخرى، ويصاب بمرض غامض يجعله طريح الفراش، وهو على هذه الحال يستعرض كل مراحل حياته، فيجد أن ما قام به كان مجرد سلسلة أخطاء أوصلته إلى هنا وأن الشعور الذي يسيطر عليه هو «الندم» ولا شيء غيره. فيما يسدي نصائح حكيمة لطبيبه هي ثمار الندم.

ربما من أكذب إجابات بعض الأشخاص عن الأشياء التي ندموا عليها قولهم إنهم لم يندموا أبداً وإنه لو أتيح لهم إعادة حياتهم من جديد لارتكبوا الأخطاء نفسها التي ارتكبوها سابقاً.

لعل هذه المقاربة هي أسوأ أنواع الكذب التي يمكن أن يكذب فيها الإنسان على نفسه بهذه الفجاجة.

علماء النفس وهم يتحدثون عن الندم يقولون: ثمة حقيقة دامغة وهي أن الناس يندمون على عدم الفعل أكثر من ندمهم على الفعل، وأنهم يندمون على الأشياء التي قالوها أكثر من الأشياء التي صمتوا عنها.

ومن الأشياء التي تجعل ذلك حقيقة أن فعل الإنسان لشيء ما يكون ضمن سياق من الظروف تبرره، والأشخاص بشكل عام يجيدون خلق مسوغات لسلوكهم فيما لا يستطيعون خلق مسوغات لعدم إقدامهم على فعل معين، فمن الصعب تسويغ الامتناع عن الفعل.

علاقة البشر مع الندم هي علاقة يوميات، فهناك كثير من الأشياء التافهة التي يندم عليها الإنسان، لكن هذا الندم يكون قصير العمر، في حين ثمة أشياء مؤثرة يكاد الندم يرافق فيها الإنسان طوال عمره.

إذا قررت في لحظة ما أن تضع أمامك ورقة وتدون فيها الأشياء التي ندمت عليها فستجد قائمة طويلة، لكن من سلوكيات العلاج النفسي الذاتي أنك لن تعترف كثيراً بأنك أخطأت، وستجد نفسك تمزق هذه الورقة كنوع من الاحتجاج على تقديم اعتراف صارخ بالخطأ.

إذا اتفقنا على أن كل البشر يندمون فإن السوريين لديهم مسوغات أكثر للندم خلال السنوات الفائتة، فالكثير منهم اضطر لاتخاذ قرارات صعبة لاشك أن قسماً منها ندم عليه.

لكن، وأياً كانت الحال سواء كان الندم شديداً وصعباً أم أنه مجرد عارض يسهل طرده، فإنه يبدو حالة طبيعية ويمكن أن يكون «كشفاً للذات» ومجهراً يبين الكثير من دواخل النفس.

الشيء الذي يؤمن به الجميع أن الندم حالة طبيعية، لكن الشيء الذي يختلف عليه الناس هو: هل هناك فائدة من الندم أم لا.. البعض يعتبر الندم خطأ آخر نرتكبه.. والبعض الآخر يعتبر الندم هو الضريبة التي يدفعها الناس على أخطائهم.

أهم ما يمكن أن ينصح به أن الإنسان يجب أن يكون متسامحاً لنفسه لحد ما، وعليه أن يجيد الغفران لذاته كلما أمكنه ذلك.

هناك آية قرآنية تقدم العلاج «لكيلا تأسوا على ما فاتكم».

قانون الندم يقول كلنا قام بكثير من الأشياء التي يندم عليها.

قانون الحياة يقول: سامح نفسك فالندم لن يفيدك.

أقوال:

– لا يوجد ما يستحق الندم غير ما يضيع من العمر في هذا الندم.

– الندم من صفات الشعر الأبيض.

– الندم هو الإرث الطبيعي لكبر السن.

– الندم باب الحياء والحياء باب التوبة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن