أوهيد ليسليفي أحد المؤرخين في جيش الاحتلال، كتب عام 2014 دراسة موسعة من 40 صفحة عن العملية العسكرية التي اجتاح خلالها رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي الأسبق أريئيل شارون جنين والضفة الغربية في 28 آذار حتى 20 نيسان عام 2002 باسم «الدرع الدفاعي»، ورأى في ختام دراسته أن «المعركة التي خاضها الجيش في مخيم اللاجئين في مدينة جنين رسمت في الذاكرة الإسرائيلية صورة شديدة القسوة لأسباب عديدة منها الكمين الذي نصبته مجموعة فلسطينية مسلحة لسرية الدعم التابعة للكتيبة 7020 وقتلت منها 13 جندياً بلحظة واحدة وأصابت آخرين بجراح»، وبالمقابل رسمت هذه العملية في ذاكرة الفلسطينيين صورة انتصار على جيش كبير برغم المذبحة التي ارتكبها في المخيم، وكانت قيادة الجيش قد حللت ما جرى في تلك المعركة من منظور تكتيكي واستخلصت منه عبرا ودروسا للقتال داخل كثافة بناء وسكان.
ويعترف ليسليفي في استخلاصاته بأن «التقدم البطيء للقوات الإسرائيلية في المخيم عام 2002 نجم عن فكرة أن ذلك سوف يؤدي إلى تخفيض عدد الإصابات البشرية في صفوف الجنود، لكن الشكل الذي تطور عن المعركة أثبت أن هذه الفكرة جعلتنا ندفع ثمناً باهظاً في الإصابات لأن التقدم البطيء وعدم اللجوء للقتال في الليل منح المجموعات الفلسطينية وقتاً جعلها تدرس طريقة عمل الجنود وتعد رداً عليها».
وبالمقارنة مع آخر العمليات العسكرية الإسرائيلية التي نفذها جيش الاحتلال قبل أسبوعين، فإن قادة جيش الاحتلال دفعوا ثمناً باهظاً في عمليتهم العسكرية السابقة ضد المخيم في 19 حزيران الماضي من دون أن يحققوا أهدافهم في تدمير القوة البشرية الفدائية وبنيتها المسلحة في المخيم، وتكررت هزيمتهم في العملية الأخيرة التي أطلقوا عليها اسم «البيت والحديقة» قبل يومين برغم أنهم حشدوا لها قوات من جميع اختصاصات الجيش بما في ذلك سلاح الجو، وأعدوا الدبابات تمهيداً لاستخدامها في اختراق أحياء المخيم، وفي النهاية قرروا بعد يومين من المواجهة مع المجموعات الفدائية في المخيم، الانسحاب والتراجع معلنين أنهم سيعودون مرة أخرى، وهذا يعني أنهم أقروا بهزيمتهم للمرة الثانية خلال أسبوعين نفذوا خلالهما أكبر عمليتين عسكريتين ضد المخيم منذ عشرين عاماً، وكان المحلل العسكري في صحيفة «جروزليم بوست» الإسرائيلية الصادرة بالإنكليزية هيرب كاينون قد أقر بهزيمة جيشه في تحليل نشره مساء الرابع من شهر تموز الجاري بعنوان «العملية في جنين: ماذا يفيد ما سوف نقوم به بعد ذلك؟» وانتقد فيه حكومة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لأنها لم تحقق الأهداف التي أعلنت أنها ستحققها من العملية العسكرية في أول يوم من الهجوم وكان يتعين عليها انتظار ما قد يتحقق منها قبل الإعلان عنها لأنها في النهاية لم تحقق شيئاً مما أعلنت عنه في اليوم الأول».
يرى كاينون أن الجيش «بحاجة لتحديد أهداف إستراتيجية من مجمل عملياته ضد الفدائيين وأن كل ما قام به في جنين مجرد عمليات تكتيكية»، وعلى الأرض في الميدان من الواضح أن العمليات العسكرية التي نفذها جيش الاحتلال منذ نيسان 2022 حتى الآن باسم «كاسر الأمواج» لم تتجاوز مستوى الكر والفر بين جيش الاحتلال والمجموعات الفدائية المتمركزة في عدد من المدن وخاصة في مدينة جنين ومخيمها، ولم يتمكن الكيان خلالها من زيادة قدرة الردع، على حين أن الانسحاب الأخير بعد عملية «البيت والحديقة» ضد المخيم أثبتت ازدياد التراجع الواضح في قدرة الردع الإسرائيلية، على حين حققت قدرة الردع عند المجموعات الفدائية زيادة أثارت الذعر في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين وخاصة حين شاهدوا احتفال الفلسطينيين في المخيم بهزيمة جيش الاحتلال، فقد حشدت قوات الجيش ما يشبه الجيش المصغر الذي يضم الطيران والمسيرات والدروع والدبابات والهندسة ووحدات الكوماندو والقناصة ووحدات الاستخبارات العملياتية، وفي النهاية لم تؤد كل هذه القوة إلى إخافة المجموعات الفدائية في المخيم، وظهر في الساعات الثماني والأربعين من المواجهة أن ما يسمى الجيش القوي بات يخاف مما يخبئه له الفدائيون، فقرر التريث في تنفيذ الهجوم الشامل مفضلاً الانسحاب والزعم أن «عمليته العسكرية حققت أهدافها وسينسحب ليعود مرة أخرى»، وهذا الاستنتاج تعرض لردود فعل وجه فيها عدد من المحللين العسكريين الإسرائيليين انتقاداتهم لأداء الجيش وزاد من درجة انعدام ثقة المستوطنين بقدرة جيشهم على حسم المعارك وضمان أمنهم وهنا تكمن النتيجة المباشرة لهزيمة الكيان وانتصار المقاومة.