ما إن دخلنا فصل الصيف، وعلى الرغم من أننا لانزال في بداياته، حتى اشتدت شكوانا من الحر الشديد ولاسيما عندما نضطر للمشي لمسافات طويلة نسبياً.
لم يكن مألوفاً أن يحمل عدد غير قليل من سكان دمشق الشماسي في الصيف. لكننا بدأنا نلاحظ هذه الواقعة، وهي حميدة، ذلك أن ضربة الشمس ضارة وممرضة وقاتلة أحياناً، وقديماً قيل: درهم وقاية خير من قنطار علاج.
لم يتغلغل الصيف بعد بكامل قوته في حياتنا (ففي أواخر تموز تغلي المياه في الكوز، وعن شهر آب نقول إنه لهّاب)، لا نزال في (الرقراق) من الصيف، وعلى الرغم من ذلك ثمة من يردد:ذبحنا الحر. ومن الوقائع التي نراها في دمشق- على سبيل المثال- أن الناس يلوذون من الحر الشديد، بالأفياء التي تصنعها لوحات الإعلانات أو جدران الأبنية، أو الكتب والدفاتر إلى يرفعونها فوق جباههم وهم ينتظرون الحافلات العامة، أو يجتازون الشوارع القاحلة باتجاه جامعاتهم ومعاهدهم أو بيوتهم.
ولعل أغلبهم يدرك أن تلك الشمس الحارقة إذا لم يتجنبوها ممرضة، (حسب دراسات منظمة الصحة العالمية)، بالسرطان أو الربو أو القلب وحمى الضنك الناجمة عن تكاثر البعوض في الحر الشديد، ويفاقمها التلوث الجوي المعبر عنه بتزايد الجسيمات الصغيرة في هواء الكرة الأرضية المسماة (PM2، 5) من 15 ميكرو غراماً لكل م٣ هواء إلى 37 ميكروغراماً في الـ م٣ هواء في جنوب آسيا، ما أدى إلى زيادة كبيرة في السكتات الدماغية وسرطان الرئة وداء السكري وأمراض الجهاز الهضمي.
وما يفاقم تأثرنا، سواء في الشام أم بقية مدننا، اللجوء إلى المحركات الصغيرة لتوليد الكهرباء التي تنفث أدخنة ساخنة، والانتشار الكثيف للمكيفات من جهة، وفقداننا لكثير من الأشجار التي كان المشي تحت فيافيها ساحراً في الصيف.
وليست الواقعة مجرد أحاسيس تتباين بين شخص وآخر، القصة الحقيقية، أن ما نعيشه هو نتاج الارتفاع المتزايد في درجة حرارة الأرض، ونحن في المنطقة الجغرافية الموصوفة بأنها جافة، وهي الأشد تأثرا بارتفاع درجات الحرارة، التي عجز العالم عن لجمها، على الرغم من الحراك الدولي منذ مؤتمر باريس في العام 2015، وحتى مؤتمر co27 في شرم الشيخ، في العام الماضي.
ولعل السر كامن في الإخفاق المتعمد للحل العلمي الذي اقترحه 15 ألف عالم اجتمعوا في باريس في العام (2015) ونصحوا بإنشاء صندوق ينفق 100 مليار دولار كل عام لمساعدة الدول ولاسيما الفقيرة على التخلص من استخدام النفط والفحم وما ينتج عن استعمالهما من غازات تزيد من سخونة الأرض.
ومن المؤسف أن السير في الاتجاه المعاكس ينحدر بالبشرية نحو الكوارث المفجعة بيئياً، في ظل حرائق غابات مرعبة( احتراق خمسة ملايين هكتار من غابات كندا في الشهر الماضي)، علماً أن المتوسط السنوي العالمي هو فقدان كوكب الأرض لـ12 مليون هكتار من الغابات كل عام بالحرائق أو القطع الجائر، وهي الجاذبة للأمطار والحاضنة للماء العذب، سر الحياة على الأرض، على الرغم من أنه نادر ويشمل 2 بالمئة فقط من الماء الذي يغطي 70 بالمئة من سطح الكرة الأرضية وهو بنسبة 98 بالمئة ماء مالح في البحار والمحيطات، (حسب كتاب الدكتورة سها نصار القيم: مقدمة في علم البيئة).
إن الحل الوطني السريع لمشكلتنا مع الشمس الحارقة، وارتفاع درجات الحرارة، يكمن في التشجير الجاد.
كنا ننتج في الثمانينيات، 30 مليون شجيرة في مشاتلنا ونشجر بها 24 ألف هكتار سنوياً. ومع ذلك كانت نسبة غاباتنا إلى أراضينا الزراعية 3 بالمئة قبل الحرب الجائرة علينا التي أحرق الإرهابيون جزءاً كبيراً منها، وقضى القطع الجائر بحجة التدفئة على الكثير من أشجارها وأشجار أرصفتنا.
للأسف نحن حالياً نشجر 4 آلاف هكتار بـ3.3 ملايين شجيرة (في أحسن الأحوال)، فليكن لنا في وقائع تاريخنا الحديث مع التشجير قدوة حسنة.
إن التشجير داخل المدن وعلى الطرقات العامة، وفي الجبال الجرداء، ضرورة حيوية حياتية، مثل توفير الماء والهواء للبقاء.