قضايا وآراء

قراءة لما بعد جنين في التصورات الإسرائيلية

| تحسين حلبي

بعد الهزيمة التي مني بها جيش الاحتلال في مخيم جنين مرتين في أسبوعين، حاول خلالهما اجتياح مخيم جنين بمعظم وسائطه الحربية، احتل موضوع انتصار المقاومة في المخيم أهمية متزايدة لدى الحكومة المصغرة لشؤون الأمن في الكيان وضرورة عقد جلسة خاصة لها، وكذلك لدى معظم المحللين العسكريين فيه، وبدأت التحليلات تجتهد في عرض أسباب الفشل واقتراح الحلول، وكان المحلل العسكري في صحيفة «يسرائيل هايوم» أمنون لورد قد رأى في تحليل بعنوان: «العبرة من جنين هي تزايد المسلحين في المنطقة التي لا يوجد فيها يهود»، أن حكومة رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو «كثفت منذ تشكيلها عمليات الغارات والهجوم على المسلحين في مختلف مناطق الضفة الغربية، مستخدمة أعداداً متزايدة من القوات والوسائط الحربية بهدف تدمير البنية المادية العسكرية للمسلحين واعتقال أو قتل أكبر عدد منهم»، ويحاول لورد لفت انتباه الجيش إلى أن منطقة جنين وخاصة مخيمها «بقيت من دون وجود مستوطنين يحيطون بها، وهي إذا ما لم يتم التخلص من المسلحين فيها فسوف تصبح مقدمة لما يشبه قطاع غزة وتتحول إلى «مدينة يتمركز فيها جيش من المسلحين».

ويقترح لورد بموجب ما جرى في الأسبوعين الماضيين ضد جنين وبعد عجز الكيان عن التخلص من «هذه البؤرة المسلحة»، أن يلجأ الجيش الآن إلى شن حرب استنزاف على المسلحين في تلك المنطقة بدلاً من شن عمليات ذات حجم كبير لم ينجح فيها بالتخلص من هذه البؤرة بضربة قاضية حاسمة.

ويلاحظ محللون آخرون أن «ضعف المعلومات الاستخبارية أو افتقار أجهزة الجيش لها عن المخيم وطبيعة المسلحين فيه، شكل كفة راجحة للمسلحين في دفاعهم ومبادراتهم الهجومية التي فاجؤوا الوحدات القتالية الإسرائيلية التي أعدت لاجتياح المخيم، وهذا يعني أن المطلوب من أجهزة الاستخبارات إيجاد حل لهذا النقص أو الافتقار للمعلومات الأمنية، ويبدو من الواضح بالمقابل أن المجموعات الفدائية التي تعمل من داخل جنين والمخيم تمتعت بحصانة سرية أمنية صعب اختراقها وهو عامل قوة يزيد من قدرتها على الصمود والتصدي وابتكار المفاجآت المميتة لجيش الاحتلال، وحول أشكال المقاومة الأخرى التي يقوم بها أفراد من الفلسطينيين بمبادرتهم الذاتية بمحاولة استخدام سيارة لاقتحام حاجز تفتيش لجيش الاحتلال أو باستخدام سكين في وضح النهار، يرى عدد من المحللين الإسرائيليين أن قرار وزير الأمن الداخلي ايتامار بن غافير بتوزيع السلاح على المستوطنين في كل مكان، مفيد جداً لأنه يحولهم إلى جيش من المدنيين في ممرات وشوارع المستوطنات حين يطلقون نيرانهم على الفلسطينيين قبل وصول قوات الأمن أو الشرطة المكلفة باعتقالهم، علماً أن هذا الشكل لتسليح المستوطنين ومنحهم الحق باستخدام نيرانهم ضد أي فلسطيني بدلاً من اعتقاله من الجيش أو رجال الشرطة يعد تصفية جسدية وجريمة موصوفة، بل يشجع المستوطنين المسلحين على قتل الأطفال الفلسطينيين والمدنيين العزل حين يحاولون منع المستوطنين من الاعتداء على الفلاحين الفلسطينيين في حقولهم وحرق مزارعهم وهذا هو أوج الإرهاب الذي يلجأ إليه الكيان الإسرائيلي علنا بهدف ردع الفلسطينيين ومنعهم من حماية حقولهم وأطفالهم، وبسبب نقص القوى البشرية في جيش الاحتلال أصبحت عملية تسليح المستوطنين وحملهم أسلحتهم الفردية في كل مكان تعد تعويضاً عن هذا النقص في الجبهة الداخلية وخاصة في الضفة الغربية ومدينة القدس، وهذا ما قصده بن غافير حين اقترح إنشاء جيش من المستوطنين المسلحين في الأراضي المحتلة لا تحده أي قوانين في عمليات تصفية الفلسطينيين أينما كانوا، لكن كل هذه الوسائل التي لجأ إليها الكيان لتحقيق أهدافه ضد سبعة ملايين من الفلسطينيين الصامدين فوق ما بقي من أراضيهم وحقولهم وبيوتهم لم ترهب المقاومة وتكسر إرادة الفلسطينيين، بل زاد عدد المقاومين المحترفين المسلحين بين صفوفهم أكثر من أي وقت مضى واتسعت رقعة وجودهم في مختلف المدن، وهم الذين تزداد درجة امتلاكهم لزمام المبادرة حين يحددون زمان ومكان تحركهم على مساحة كل فلسطين من رأس الناقورة حتى قطاع غزة، مدركين أنهم جزء وطليعة من قوى وأطراف محور المقاومة الذي يعد القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن