من دفتر الوطن

قروض رفاهية!

| عصام داري

دخلت المصرف بغرض طرح سؤال ليس أكثر، فأنا لست من أصحاب الحسابات المصرفية، نظرت إلى الموظفة الشابة وسألتني: تفضل، بماذا أستطيع أن أخدمك؟ قلت: ما القروض التي يمنحها البنك للمواطنين؟ فأجابتني رشّاً ودراكاً: قرض الزواج، قرض البيت، قرض السيارة، قرض الكومبيوتر، قرض الطاقة الشمسية.

وقبل أن تسترسل قلت لها: على رسلك يا صبية- على طريقة المسلسلات والأفلام التاريخية- فأنا لا أريد قرضاً للطاقة الشمسية ولا للطاقة القمرية، فأنا أبحث عن قرض مبتكر، فسألتني: كيف ذلك؟.

سألتها: ما اسمك يا حلوة، فابتسمت وقالت: صابرين، فقلت جعلنا اللـه من الصابرين، ويا آنسة صابرين أريد قرضاً للرفاهية.

«فنجرت» عينيها وفتحت فمها علامة الدهشة والذهول، وقبل أن تطرح سؤالها التالي بادرتها بالقول:

نحن في فصل الصيف والصيف كيف، وأنا كبقية خلق اللـه أرغب في التمتع بمباهج الحياة، وقد علمت أن هناك عدداً من المطربين والمطربات العرب سيحيون حفلات في سورية، ومحسوبك يعشق الطرب القديم والحديث، الملتزم والساخر، الجاد والفلتان، لذا سألت عن تلك الحفلات فعلمت أن ثمن تذكرة الدخول لأي حفل يبلغ على الأقل مليوناً ومئتي ألف ليرة سورية، ولحضور الحفل مع زوجتي أحتاج إلى قرض لا يقل عن ثلاثة ملايين ليرة.

قالت: نعتذر لا توجد مثل هذه القروض الغريبة.

ونحتاج إلى قرض للمشاوي بعد أن وصل كيلو غرام الشقف والكباب إلى حدود المئتي ألف ليرة.

ونريد قرضاً للحلويات العربية الشهية التي بلغ سعر الكيلو منها بحدود الثلاثمئة ألف ليرة، وقرضاً لندخل مسبحاً متواضعاً، وقرضاً للذهاب إلى ساحلنا الجميل لمدة يومين أو ثلاثة أيام.

نحن بشر مثل بقية خلق اللـه ويحق لنا التمتع بملذات الحياة وعلى المصارف المحترمة أن توفر لنا الفرص كي نقلد السادة الأغنياء والفاسدين واللصوص والمرتشين، وأن نغني مع سيد درويش: يللي معاك المال برضو الفقير له رب كريم، فلماذا لا تكون المصارف والبنوك كريمة مع المواطنين ما دامت ستستعيد أموالها بالتقسيط مع الفوائد؟

قالت لي موظفة البنك: والله يا أستاذ معك حق، تصور أنا ولدت في الضيعة عندما أريد زيارة عائلتي أحسبها ألف مرة فالرحلة إلى الضيعة تكلفني «بلاوي زرقا» وأنا موظفة على قد حالي.

من أين جاءت عبارة «بلاوي زرقا»؟ وهل للبلاوي ألوان هذه زرقاء وتلك حمراء وثالثة صفراء وهكذا؟

وبما أنها سيرة وانفتحت دعوني أخبركم شيئاً: أنا منذ ثلاثة أسابيع أبتعد عن الكتابة عن الأسعار والغلاء والبلاء، وبأي لون كان، وصرت أتحدث عن الفنون والغناء والطرب لأن كلامي وكتاباتي تشبه قرارات مجلس الأمن الدولي التي تصدر ضد إسرائيل تحديداً، لكنني اليوم أردته «فشة خلق» جديدة فقد طفح الكيل وحلّت بنا الكوارث مع التصاعد اليومي لأسعار كل شيء من دون استثناء، الأمر الذي يدفعنا لطلب قروض صغيرة مثلاً: قرض الطحينة التي صار ثمن 800 غرام منها بحدود الخمسين ألف ليرة، ومعها قرض للفلافل والمشمش والكرز والدراق و.. كل ما تتصورونه.

في المطاعم تأتيك الفاتورة، وفي بنودها ضريبة رفاهية، ونحن على استعداد لدفع هذه الضريبة عندما نستطيع أصلاً الدخول إلى هذه المطاعم المزدحمة على طول الأيام، وأرجو أن يجيبني أي شخص من أين تأتي النقود لرواد هذه المطاعم والفاتورة تبلغ مئات آلاف الليرات؟

المشكلة أن الحكومة لا ترى سوى الطبقة المخملية عندما تجلد بضرائبها وزيادة أسعارها المواطن المغلوب على أمره.

تعبت.. ونقطة أول السطر.. وتابعوا بعدي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن