إلى السادة المسؤولين: الطبخة الفقيرة تكلف 1500-2000 ل.س
| عمران محمد حسام
لم تعد أم كرم تسعى إلى الرفاهية والحلم بحياة جميلة بعد أن هجّرها الإرهاب من منزلها والأماكن التي نزحت إليها أكثر من مرة، لينتهي بها المطاف بصحبة أطفالها الخمسة في حي مساكن برزة الشعبي، وبيت القصيد حسب رأيها بعد كل المآسي التي تعرضوا لها تكمن بعد «شبه الاستقرار» من حيث تأمين غرفة صغيرة تؤويهم هو مكان الإقامة، بل في إيجاد ما يملأ بطون أطفالها ولو لوجبة واحدة في اليوم.
الدموع تغرورق في عينيها وحشرجة صوتها تكاد تخنقها وهي تحكي لـ«الوطن» معاناتها مع تأمين لقمة العيش لأولادها وتستفيض بعد تهدئتنا لها بإخراج ما يحترق في صدرها بالقول: «ربطة الخبز بـ50 ليرة وكيلو البندورة بـ325 ليرة وكيلو البطاطا بـ225 ليرة، فيما وصل لتر زيت الأونا نوع ثاني إلى 700 ليرة، – إضافة إلى المستلزمات الأخرى -، حيث إن أبسط طبخة لستة أشخاص تصل إلى ما بين الـ1500-2000 ليرة»، وهذه الأسعار وفق أم كرم في سوق الخضرة الشعبي في المساكن كونها تقطن بالقرب منه، وعند سؤالنا أم كرم عن حديث الشارع السوري في الآونة الأخيرة «الكوسا» حدقت بنا باستغراب واستطردت: أجد صعوبة بالحصول على ربطة الخبز كيف لي أن أفكر بالكوسا، تأقلمنا كثيراً مع واقعنا، وهمي أن أطعم أبنائي للبقاء على قيد الحياة» وتستطرد في الحديث عن الشتاء القارص «رغم برودة الطقس وانخفاض الحرارة لا نفكر بشراء الديزل للتدفئة لأننا لا نملك ما يكفينا قوت يومنا»، وفي فوضى مناطحة الأسعار للسحاب لم تعد أم كرم تسأل عن أسعار الفواكه أو اللحوم لأنها بنظرها أمور لا تعنيها.
وتقول أم أحمد وهي موظفة في مديرية التربية أن طبخة «الكوسا محشي» أصبحت عنوان الرفاهية ومدعاة للفكاهة والسخرية بأسى بين زميلاتها من موظفات المديرية، هو واقع «المضحك المبكي حقيقة» حسبما تردف، مضيفة بالقول: «نرجو من «الحكومة العتيدة» أن تدرج أسعار صرف الخضراوات مع أسعار العملات الأجنبية لكي ندرس نحن «المواطنين» الجدوى الاقتصادية للطبخة اليومية!».. وتنقل أم أحمد عن إحدى زميلاتها: «أولادي يطلبون المحشي يبدو أني مجبرة على شراء الموز بدل الكوسا لكي أستطيع تلبية رغبتهم»!
عدوى الشكوى ليست حال ربات البيوت والمستهلكين، حيث إن أحد بائعي الخضراوات والفاكهة «أبو شادي» شكى متذمراً من كساد البضائع وقلة البيع مؤكداً «أن نسبه الأرباح بالنسبة للخضراوات لا تتجاوز الـ15%، في حين بخصوص الفاكهة فلم نعد نستطيع أن نحصي حقيقة نسب الربح إن كان هنالك ربح حيالها أصلا، إذاً فالطلب بات شبه معدوم من المواطنين على أغلب أنواع الفاكهة والسبب طبعاً (الارتفاع الكبير جداً في سعرها)، كما أننا كأصحاب مهنة مجبرون على تسوق الفاكهة من سوق الهال لأنه من غير المنطقي أن نتسوق فقط الخضراوات، لأن عملنا مرتبط بالسلعتين (خضر وفاكهة)، إذا فإن أرباحنا في مهنتنا المتأتية بمعظمها من الخضر لا تكفي لدفع أجرة نقل البضائع إلى المحل، إضافة إلى إيجارات المحلات المرتفعة جداً تثقل كاهلنا وتجبرنا على زيادة الأسعار».
أسعار الخضر أولا، وبدرجة أقل منها الفاكهة، باتت الشغل الشاغل لكل وسائل الإعلام المحلية كما هي الحال أصلا بين عامة الناس، وكلها تصب في بوتقة «السعر الجنوني لأبسط الحاجيات التي تسد رمق المواطنين وإن اختلفت التعابير حيال صياغتها، وعليه فيبقى السؤال مطروحا وبكل تأكيد هو برسم الجهات المعنية، إلى متى الصمت الحكومي عن هذا الوضع!؟.. المواطن يستغيث ويستجدي بعالي الصوت بغية تخفيف صراعه لتأمين لقمة العيش.. فهل من مستجيب!؟