ثقافة وفن

نضال سيجري… عشر سنوات على الرحيل … خانتني حنجرتي فاقتلعتها.. أرجوكم لاتخونوا وطنكم

| مصعب أيوب

«وطني مجروح وأنا أنزف خانتني حنجرتي فاقتلعتها… أرجوكم لا تخونوا وطنكم». بهذه الكلمات ودع سيجري جمهوره على صفحته الشخصية في (فيسبوك) لتغص بها مواقع التواصل الاجتماعي حينها.

حلت منذ أيام الذكرى العاشرة لوفاة الفنان نضال سيجري الذي غادرنا بعد معاناة مع المرض في الـ11 من شهر تموز 2013، تاركاً خلفه محبة كبيرة غمرت قلوب جمهوره في سورية والعديد من الدول العربية.

البداية والانطلاقة

الراحل من مواليد اللاذقية 28 أيار 1965، درس في اللاذقية وتعلم أن يفضي أسراره للبحر الذي كان يطيل المكوث قبالته، وفي العام 1986 قرر سيجري أن يغادر اللاذقية إلى دمشق لينخرط في المعهد العالي للفنون المسرحية ليبدأ بتحقيق حلمه، ثم تخرّج في قسم التمثيل لعام 1991على يد فواز الساجر وممدوح عدوان وغيرهما من كبار المسرحيين والفنانين، لتكون مشاركته الأولى من خلال مسلسل الشريد تأليف وإخراج غسان باخوس، ومن ثم تتالت الأدوار ليكون صاحب بصمة مميزة في الدراما السورية بأعمال وشخصيات بقيت عالقة في ذهن المشاهد حتى يومنا هذا.

تنوعت مشاركاته بين السينما والمسرح والتلفزيون فنال شهرة كبيرة في الوطن العربي واجتمع السوريون على حبه.

صانع الفرحة

مع تعدد أدواره عمل سيجري على إسباغ كل منها مشاعر حقيقية وإكسابها واقعية، فغدا صاحب رصيد كبير في الدراما قارب المئة مسلسل وعشرات المسرحيات أنجزها سيجري خلال فترة حياته القصيرة.

صنع سيجري ضحكات الكثير من محبيه تزامناً مع دمعتهم بمهارة عالية وإحساس فريد عما يجول بداخلنا، فمزج بين الحزن والفرح من دون ابتذال أو تصنع ليشدنا في متابعة حركات يديه وتعابير وجهه البسيطة.

ومع كل دور جديد كان يؤديه يكشف عن وجه من وجوه إبداعه وقدرته على التماهي مع أدوراه، فيتأثر فيها المشاهد كما لو أنها نسجت من واقع شخوص الحكايات.

شغف المسرح

ما فارقته الابتسامة حتى في أحلك اللحظات مترجماً فلسفته التي كانت تُخرج الألم فرحاً في عروضه المسرحية وفي أعماله وحتى في تأملاته وسكوته وهدوئه.

عالج قضايا كثيرة معجونة بآلام الواقع وصدماته المتتالية، فكان يستمتع بالعمل المسرحي كما التلفزيوني، لكن العمل مع المسرح فيه روح مختلفة لأنه الرحم الأول، ولديه الغواية الأولى كما الفرحة الأولى كما كان يصفها.

استحوذ المسرح على شغفه إلى أن كان له دور بارز في تدريب وتعليم دفعات عديدة من طلاب التمثيل في المسرح الجامعي في اللاذقية، واظب قبيل كل عرض مسرحي على دعوة العديد من الصحافيين والنقاد والمسرحيين والمهتمين بالحركة المسرحية لحضور بروفة العمل لمراجعة الأخطاء أو الهفوات وتداركها قبل العرض الرسمي.

كما سعى دائماً لإتاحة المساحة الكافية لممارسة شغفه الذي يأسره وأن يقدم أداء مختلفاً عن الآخرين بما يتناسب مع أفكاره.

تنوع وغنى

شارك في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية ولكن شهرته برزت في الأدوار الكوميدية، ففي شخصية أسعد شكل الراحل مع الفنان باسم ياخور بدور جودة أبو خميس ثنائياً كوميدياً كان الأجمل بتاريخ الدراما السورية والعربية، حتى لقبه الجمهور بـ«تشارلي شابلن العرب» حيث ظهر بلباس قريب للباس الفنان العالمي «تشارلي شابلن» ولكن بأسلوب القرية الساحلية والشخص البسيط والساذج الذي يستغله صديقه على الدوام، فترك أثراً لدى المتلقي العربي حفر لدينا صوت ضحكته العابثة، حيث قدم كوميديا بسيطة غير مصطنعة بل نابعة من البساطة ونمط الحياة بضمير ساكن.

كما أنه برع في أدوار الشر، فهو الشاويش في (الانتظار) إخراج الليث حجو الذي يفتعل المشاكل ويبث السموم كالأفعى هنا وهناك، إلى أن أنهى حياة عبود (تيم حسن) بطعنة سكين فكان له بصمة واضحة في هذا الميدان.

شغف ووله

سرق المرض صوته بعد أن أصاب حنجرته وتم استئصالها، وذلك بعد أن منعه الأطباء من العمل أو التعرض للمناخات الجوية القاسية، ولكن حبه للمهنة وشغفه فيها منعه من الابتعاد عنها، وشارك بعدة أعمال بشخصية صامتة لعل أبرزها شخصية نعمان في الخربة، إضافة إلى مشاركته في الأميمي وبنات العيلة، كما كان ممثلاً ناجحاً فقد برع إيمائياً أيضاً، وكما أن لكل امرئ من اسمه نصيب فقد ناضل ضد مرض خبيث وحاول أن يتغلب عليه، ومن شدة حبه لمهنته وولهه في المسرح تحديداً فإنه أوصى أهله أن يحمل جثمانه بعد موته إلى المسرح قبل أن تسدل الستارة على مسيرته ويوارى الثرى.

على الرغم من رحيله جسداً لكن أعماله بقيت خالدة في ذاكرة الدراما السورية ليثبت لمعظمنا أن جسد نضال غاب عن الدنيا، لكن روحه وإبداعه ما يزالان حاضرين، فبات يرسم البسمة هنا وهناك، فنوقن أن ما تركه هذا الإنسان سيرافقنا طويلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن