ثقافة وفن

التراث العربي يفقد واحداً من المعتنين به … أديب الجادر أغنى المكتبة العربية بعشرات الكتب التراثية

| إسماعيل مروة

بالأمس كان هنا، يتصل ليسأل عن معلومة ما، ويرد ليقدم خدمة تطلبها منه وهو اللصيق بالمكتبة العربية والتراثية، أكثر من ثلاثين عاماً مضت على معرفتي بالأستاذ محمد أديب الجادر، أتابع نشاطه العلمي التراثي، وتعامله الإنساني الجميل، وهمّته العالية في البحث عن الكنوز والمخطوطات بين عدد من البلدان، نتيجة حبه الشديد للتراث وخدمته، واليوم توقف قلمه عن نسخ الكنوز وتحقيقها، وتوقف عن السعي وراء معلومة أينما كانت، فلك الرحمات أبا وائل بما قدمت للتراث عامة ولدمشق وأدبائها خاصة.

بين الولادة والوفاة

سبعون عاماً أتمّها محمد أديب الجادر في هذه الحياة ما بين ولادته في دمشق عام 1953 ووفاته فيها عام 2023م، درس اللغة العربية في جامعة دمشق، وبعد ذلك أمضي جلّ وقته وحياته عاملاً في العلم والكتب حتى تقاعد، وبعد تقاعده استمر في العمل العلمي وتحقيق المخطوطات، ومنذ عام 2000 كانت تجمعنا جلسة علمية أسبوعية يغيب عنها من يغيب ويحضرها واحدنا بما يلائم ظروفنا وأعمالنا.. أكفى حياته الوظيفية في مجمع اللغة العربية الذي أعطاه عمره الوظيفي كله، وعاصر عدداً من رؤساء المجمع وأعضائه، وكان الأستاذ الجادر مقصداً لكل طالب علم أو حاجة تتعلق بالمجمع، ولم يتردد يوماً في أن يقدم ما يقدر عليه.

عمله ومصنفاته

أخلص أديب الجادر إخلاصاً تاماً للتراث وتحقيقه، وقد تدرّج في التحقيق من المساعدة والفهرسة إلى أن صار مشاركاً للأساتذة، وفي مرحلة صار مع زملائه يحمل أعباء تحقيق مخطوطات لها قيمة، وحمل الأستاذ الجادر على عاتقه تحقيق كتب كثيرة، ومخطوطات من النوادر، وكان في كل ما يصدره كثير السؤال والاستشارة، يستمع للنقد، ويأخذ بآراء الآخرين العلمية، ولا يمنعه من ذلك عمرٌ أو فضل، ومقدمات تحقيقاته تشهد بما أقول من استشارات، عُرف الجادر بجرأته في شكر أصحابها وذكرهم، وهذا خلق قلماً يتصف به باحثون وخاصة بعد تجاوز سنّ معينة.

من أخلاقه وطباعه

كان حاداً في رأيه، معتداً بما يراه، يتلطف في إيصاله، وعلى ما هو فيه كان حيياً تغلب الحمرة عليه عندما تحدثه، لطيفاً في نقده وعبارته، وكان جريئاً في نقد الرجال والحديث عن خصالهم.

من الأعمال التي أنجزها

تدرج الأستاذ الجادر من التدريب والفهرسة في التحقيق إلى تحقيق المخطوطات ونشرها وتحمّل مسؤوليتها:

– نهاية السّول في خصائص الرسول بالاشتراك- تحقيق.

– مقالات الأدباء ومناظرات النجباء- تحقيق.

– البرق المتألق في محاسن جلّق- تحقيق.

– المختار في مناقب الأخيار بالاشتراك- تحقيق.

– أنس المسجون وراحة المحزون- تحقيق.

– جزء من تاريخ دمشق لابن عساكر- تحقيق.

– تعطير المشام في مآثر دمشق الشام- تحقيق.

– الطيوريات بالاشتراك- تحقيق.

– الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية- تحقيق.

– ديوان نجم الدين بن سوار- تحقيق.

هذا إضافة إلى كتب عديدة حققها مفردة أو بالاشتراك يضيق المجال عن ذكرها، وقد انتهج الأستاذ أديب في التحقيق منهجاً سليماً وسطاً يقوم على قراءة النص قراءة سليمة، وإخراجه كما وضعه المؤلف، مع التعريف والتخريج والشرح، وكل ما يلزم المخطوط في التحقيق، ولكن دون تزيّد أو إرهاق، ودون اختصار مخلّ!

وكان في كل نقاشاته يتحدث عن هذا المنهج وينتقد- وهو على حق- إرهاق المحققين للحواشي، ويقول: ليؤلف واحدهم كتاباً بدل أن يحققه.. وهذا منهج اعتمده رواد مناهج التحقيق.

أخيراً

خسر التراث العربي واحداً من أبنائه الذين أخلصوا له، وأعطوه جهدهم كله، سواء رضي الناس عن هذا الجهد أو لم يرضوا، لكن كان جهداً مخلصاً اعتمده الأستاذ محمد أديب الجادر في تحقيقه وعلمه وحياته، فقد كان تراثياً في علمه وحياته، وكان متصوفاً وزاهداً في تحقيقاته واختياراته، وكذلك كان في حياته.

رحمك الله أيها الصديق الجميل، والعزاء كله لأسرتك وأصدقائك وللعربية التي خسرت فارساً ولدمشق التي فقدت واحداً من الباحثين في الجواهر عن كل ما يخصها ويخصّ محاسنها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن