ربما بدأت تزداد في هذه الأوقات التساؤلات حول مضاعفات قرارات التصعيد التي اتخذها الحلف الأطلسي «الناتو» في حربه ضد روسيا والاحتمالات والنتائج التي ستفضي إليها على الساحة الأوروبية والعالمية، ومن أهم المؤشرات المقلقة بنظر الكثيرين من المراقبين في الغرب:
1- إن واشنطن قررت تزويد الجيش الأوكراني بالقنابل العنقودية المحرمة دولياً في الأمم المتحدة ومن قبل أكثر من مئة دولة وكذلك بطائرات «إف16».
2- انتقال السويد إلى العتبة الأولى للانضمام إلى الحلف واتخاذ الـ«ناتو» قراراً بنشر المزيد من قوات دوله على حدودها مع روسيا وظهور موقف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مثير للجدل والشكوك تجاه دوره المقبل في موضوع الحرب الغربية على روسيا، رغم أن موافقته على ضم السويد للحلف لا تكفي لأن الحلف ينتظر موافقة دولة أخرى هي هنغاريا.
3- زيادة التورط الألماني بالحرب ضد روسيا بواسطة الإعلان عن دعم بقيمة 700 مليون يورو للأغراض العسكرية وزيادة الميزانية العسكرية الألمانية لشراء المزيد من الأسلحة الأميركية للجيش الألماني، ومصادقة واشنطن على بيع صواريخ بعيدة المدى لفرنسا والسويد، وإعلان فرنسا إعداد غواصتها النووية الهجومية بعد إصلاحها، وإعلان النرويج شراء أسلحة أميركية وتقديم 290 مليون دولار إضافية لأوكرانيا.
4- إعلان قيادة الحلف عن وجود خطة عسكرية شاملة تغطي كل الجبهات المتاخمة للحدود الروسية حتى القطب الشمالي بمشارك قوات من دول الحلف.
ورداً على كل هذه المؤشرات حذرت القيادة الروسية الولايات المتحدة وحلف الأطلسي من عواقب هذا التصعيد وأكدت استعدادها لمجابهة كل الاحتمالات بقدرة حاسمة وإرادة صلبة، والرد على كل التطورات المستجدة في الحرب، ولأن الغرب يدرك أن أي حرب شاملة مباشرة على روسيا لن تنحصر في روسيا وحدها بل ستشارك فيها الصين مع روسيا ضد الغرب، فقد أعلنت قيادة حلف الأطلسي عن تحذير مباشر موجه للصين بالامتناع عن دعم روسيا والتحالف معها، بل سارعت ألمانيا إلى إرسال قوات عسكرية إلى استراليا التي تعد قاعدة جبهة الحرب الأميركية – الاسترالية – البريطانية لتدعيم جبهة الحرب الأخرى ضد الصين، وهذا يشير إلى استعداد الحلف للمشاركة بحروب إلى جانب الولايات المتحدة في الساحة الآسيوية – الصينية، وقبل أيام تساءلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الشهيرة وعدد من الصحف البريطانية: «هل نسير نحو حرب عالمية ثالثة؟»، ويستخلص من مختلف الآراء التي عرضت تحت هذا العنوان أن حرباً كهذه يمكن ألا يجرؤ الغرب عليها إذا ثبت له أن الصين وروسيا متحدتان ضد جميع الأعداء.
السؤال المهم بتقدير تحليلات أخرى هو: هل ستكون كل دول أوروبا موحدة في قرارها لشن حرب كهذه تقودها واشنطن ضد روسيا؟ ويذكر أن أوروبا دفعت ثمناً باهظاً في الحربين العالميتين في القرن الماضي وكلتا الحربين اندلعت لمصالح وأسباب معظمها أوروبية ثم اشتركت واشنطن في كل منهما إلى جانب بريطانيا وفرنسا بعد مرور سنة ونصف السنة على اندلاع كل منهما وبعد أن استنزف المتحاربون قدرات بعضهم وتحكمت بمكاسب نتائجهما، على حين الذي يجري الآن يدل على أن واشنطن هي التي تبادر لإشعال حرب عالمية وهي التي تطلب من دول أوروبا الاشتراك معها فيها قبل ساعة الصفر، فهل ستوافق كل دول أوروبا على هذا الخيار وهي تدرك أن تحول الحرب إلى نووية سيدمرها ويدمر الجميع وأن عدم تحولها إلى نووية قد لا يضمن تحقيق الانتصار على روسيا بل لن تستفيد منها سوى المصالح الأميركية سواء انتصرت روسيا في هذه الحرب أو الغرب؟
مع هذه الافتراضات ثمة من يرى أن سعي واشنطن لجر دول أوروبا نحو هذا التصعيد الراهن قد يكون هدفه الاستعداد لمفاوضات تؤدي إلى إيقاف النار، وبهذا الشكل تكون واشنطن قد باعت أسلحة لأوروبا ولأوكرانيا بمبالغ ضخمة تسمح لها بعقد هدنة تستهلك بواسطتها مرحلة أولى من هذه الحرب ضد روسيا وتكون فيها قد كدست في أوكرانيا أسلحة أصبح في مقدور الجيش الأوكراني استخدامها فيما بعد، وهذا ما يجعل واشنطن رابحة إذا ما استمرت الحرب على حالها الراهن أو توقفت عن طريق مفاوضات محتملة على شكل هدنة تتحكم هي بقرار استمرارها أو انتهائها.