ما إن قرأت تحذير منصة الغابات ومراقبة الحرائق السورية، في 11-7- الجاري، عن مؤشرات خطورة الحريق المتوسط بشكل عام على غاباتنا الأساسية والكبرى في اللاذقية وطرطوس وضرورة الامتناع عن إشعال أي نيران فيها، حتى شرعت في التحضير لهذه المقالة عن ضرورة ترطيب غاباتنا، المقرر لها أن تنشر اليوم الأحد.
لكن حريقاً في كبرى غابات سهل الغاب في سورية كان قد نشب، في الحراج الجبلية الممتدة بين قرى طاحونة الحلاوة وفقرة ونبل الفوقا في 13/7، للأسف الشديد.
إن حرائق الغابات تدمي القلب، فالغابات كنوز لا تقدر بثمن –مالي- إنها والحياة صنوان.
فلنلحق وسط موجة الحر الراهنة، غير المسبوقة عالميا ولنرطب غاباتنا قدر الإمكان، ومن أطرافها على الأقل، وفي سياق عمل شعبي، وضمن ما يشبه التمرين على. مكافحة الحرائق، ما يساعد على فتح مزيد من خطوط النار ورفع الصخور والأتربة والأخشاب المتراكمة، التي تعرقل عادة دخول آليات الإطفاء. ولنعلنها جميعها محميات نمنع الدخول إليها، باستثناء سكانها وهم حريصون عليها حرصهم على حياتهم.
فالوقاية مهمة جداً لأن أي حريق يصعب التكهن بخسائره وقد أنهكت غاباتنا حرائق، في السنوات القليلة الماضية وجلها كان متعمداً وشكل جزءاً من أساليب الحرب الجائرة علينا.
لا شيء أبداً، يسوغ التراخي في إجراء حيوي كهذا، وما سننفقه من ماء وجهد ووقود، هو وفر كبير للأيام القادمة، وسط مناخ عالمي مؤهب لحرائق الغابات، إن لجهة الاحتراز الحراري العالمي المتفاقم وغير المسيطر عليه، أو لجهة الحرائق الملموسة في أغلب بلدان العالم، ضمن بيئة مفتوحة لا تعترف بالحدود.
ومن المحزن حقا أن الكرة الأرضية تفقد كل عام 12 مليون هكتار من غاباتها، وبعضها غابات مطيرة – كغايات الأمازون- حيث يصل ارتفاع الشجرة إلى 113متراً، وهي جاذبة للأمطار ومستدرة لها.
ولقد فقدت الأرض عبر حرائق تلك الغابات، والقطع الجائر لها، ثلثها على الأقل، في السنوات القليلة الماضية.
ومن المعروف أن الغابات بشكل عام، تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون _السام_ والمسبب لارتفاع درجة حرارة الأرض عن حدها الطبيعي المسجل في العام 1750، أي ما قبل الثورة الصناعية الأولى واختراع المحرك البخاري. ، وهي تطرح الأوكسجين (إن شجرة واحدة تنفث، احتياجات عشرة أشخاص من الهواء النقي يوميا للبقاء على قيد الحياة).
وكان لافتاً للإنتباه ما قاله المدير العام للمنظمة العالمية للأغذية والزراعة في (21) آذار الماضي -وهو اليوم العالي- للغابات-: (تعد الغابات مصدرا للأغذية والتغذية لقرابة مليار إنسان على وجه الأرض، وهي تؤوي 50 ألف نوع نباتي يتمتع بخصائص علاجية، وتشكل حاجزا طبيعيا يمنع انتقال الأمراض من الحيوان إلى الإنسان، ذلك أن 30 بالمئة من الأمراض الجديدة المبلغ عنها منذ العام 1960، سببها حرائق الغابات وتغير استعمالات الأراضي.
انتبهوا جيداً، كانت مساحة غابات سورية الجميلة التي نتغنى بسحرها وعذوبة مناخها، (30 بالمئة) من مساحة مجموع أراضيها، في مطلع القرن الماضي، ثم انخفضت وتدهورت عبر القطع الجائر لتشغيل قطارات العثمانيين ولاسيما إبان الحرب العالمية الأولى، ولتلبية احتياجات المستعمرين الفرنسيين، خلال ربع قرن من احتلالهم لسورية.
وعلى الرغم مما حظيت به الأشجار من اهتمام في سورية، إذ كانت أول بلد عربي يقيم عيدا للشجرة في العام 1953، ويتبنى زراعة عشرة آلاف هكتار بالأشجار الجراحية سنويا ثم الانتقال إلى غرس 24الف هكتار سنويا بثلاثين مليون غرسة حراجية مطلع الثمانينات من القرن العشرين، فإن مساحة غاباتنا لم تتجاوز (3 بالمئة) من مساحة أراضينا قبل الحرب الجائرة علينا في العام 2011، التي قصمت ظهر غاباتنا وأنزلت بها أفدح الخسائر.
يجب أن ننتبه أن التشجير الاصطناعي قبل الحرب على سورية، قد نجح في مضاعفة مساحة غاباتنا، إذ أضاف إليها ما يقرب من 280ألف هكتار، ولنا في ذلك قدوة حسنة ومثال يحتذى يحفزنا على عدم الاستسلام للخراب والاضطلاع بخطط تشجير جدية، تجعلنا نمتلك غابات شاسعة هي كنوز مستقبلنا الأفضل.