ثقافة وفن

مسلسل «الحجرة» يطرح الدراما النفسية في قالب تشويقي

| مايا سلامي

انطلق قبل عدة أسابيع العرض الأول للمسلسل السوري- اللبناني «الحجرة» تأليف زهير الملا، إخراج فادي وفائي، عبر منصة ستارزبلاي.

واستطاع بعد ساعات قليلة من طرح أولى حلقاته استقطاب عدد كبير من المشاهدين الذين انجذبوا إليه بسبب ما يعرضه من قصة شائقة تدور في فلك الدراما النفسية التي صورها بأسلوب جديد ومميز، وبحبكة مترابطة تروي رحلة انتقام يقودها طبيب مصاب بمرض تعدد الشخصيات، قدمت في قالب بوليسي اجتماعي مثير.

العمل مكون من 13 حلقة، ويجمع على قائمة أبطاله كوكبة من نجوم سورية ولبنان، على رأسهم: محمد الأحمد، عمار شلق، نور علي، هادي بوعياش، وسام فارس، ريم خوري، وغيرهم.

قصة العمل

يروي العمل قصة طبيب الأسنان مراد الذي يجسد شخصيته الفنان محمد الأحمد، والذي يعيش طفولة قاسية في كنف زوج أمه سيّئ الطباع فتخلق عنده حالة نفسية صعبة تدعى مرض «تعدد الشخصيات» بسبب ما يتعرض له في صغره من ضرب وتعنيف.

وعندما يكبر وينهي دراسته يعود إلى بيروت لبناء مستقبله فيتزوج وينجب طفلاً يتولى رعايته بمفرده بعد وفاة زوجته لكن حياته تنقلب رأساً على عقب بعد أن يفقد وحيده بحادث مؤلم، فتتأزم حالته النفسية مجدداً ويسعى للانتقام ممن كانوا سبباً في موت ابنه.

كما يعيش الطبيب مراد في صراع دائم بين شخصيته الحقيقية الضعيفة والمنكسرة نتيجة الضغوطات التي مر بها في الماضي، وشخصيته الخيالية «واهم» المشبعة بالحقد والغل والتي عادة ما تسيطر عليه وتتحكم بأفعاله فتقود تصرفاته الشريرة وتحرضه دائماً على الانتقام ممن تسببوا بعذابه وألمه.

وتتشعب أحداث العمل بشكل أكبر عندما يرتبط ذلك الحادث المأساوي بجريمة قتل ترتكب وتخفى معالمها لوقت طويل فتتقاطع جملة من الخطوط الدرامية لتخلق حالة بوليسية شائقة تحبس الأنفاس.

عناصر متكاملة

ومنذ الحلقات الأولى استطاع مسلسل «الحجرة» أن يلفت الأنظار إليه بعناصره المتكاملة التي وظفت بشكل صحيح حتى جعلت منه عملاً متميزاً وناجحاً، بدءاً من طريقة سرد الحكاية التي حيكت خيوطها بدقة وبأسلوب سلس وواضح لم يترك في ذهن المشاهد أسئلة عالقة لا إجابة عليها، كما نجح العمل في تخطي عتبة البطء والمماطلة، حيث سارت أحداثه بوتيرة تصاعدية شائقة، بالإضافة إلى الربط المنطقي والمفهوم للأزمنة المختلفة التي قدمها.

وكان للممثلين أيضاً دور مهم وكبير في نجاح العمل، حيث أسند لكل فنان الشخصية المناسبة والملائمة فأدوا أدوارهم بصدق وإتقان لدرجة جعلت المشاهدين يتفاعلون مع أزماتهم ويعيشونها كما لو كانت حقيقة، وهنا لا يمكننا إلا الوقوف عند إبداع الفنان محمد الأحمد في أداء شخصيتين متناقضتين في آن واحد بكل براعة وسلاسة، فتارة تراه الطبيب «مراد» المتزن والهادئ والضعيف لينقلب في لحظة إلى شخصيته الخيالية «واهم» الشريرة والقاسية، حيث نجح في تحقيق هذه المعادلة الصعبة بسبب قدراته التمثيلية العالية التي جعلت المشاهد يشعر وكأنه أمام فنانين مختلفين.

كما شكلت الأجواء العامة التي رافقت المَشاهد قيمة مضافة للعمل كالإضاءة القاتمة والضعيفة في مجمل الأوقات وديكورات المنازل وغرفة التعذيب، بالإضافة إلى الموسيقا التصويرية المميزة والملائمة للحالة النفسية والدرامية التي يعالجها المسلسل.

عمل مميز

كل ما سبق جعل من مسلسل «الحجرة» عملاً عربياً مميزاً يعالج قضية اجتماعية ونفسية معقدة قلما شاهدناها في أعمالنا، ويتضمن بين طياته رسائل مهمة وواقعية لموضوعات تعانيها مجتمعاتنا اليوم.

فبعيداً عن فكرة الانتقام التي شكلت محور هذا العمل، يتطرق إلى فكرة التفكك الأسري وما يتبعه من تعنيف للأطفال يترك آثاراً خطرة وصعبة لا يمحوها الزمن، تبقى كامنة في خبايا النفس لتأتي اللحظة المناسبة التي تفجرها كما حصل مع الطبيب مراد. كما رمز العمل إلى حالة الطمع وجوع الناس المتزايد للمال، حيث أصبحوا يضحون بقيمهم وإنسانيتهم من أجله، وهذا ما حدث تماماً في أحد المشاهد عندما ارتكب «واهم» جريمة على مرأى من الجميع ورمى عليهم مبالغ طائلة من المال فتركوا الضحية وحده ملقى على الأرض وتدافعوا لجني تلك النقود.

تقاطعات

وقد سار هذا العمل على خطا الدراما الأجنبية بشكل ناجح ومقبول فكان فيه بعض التقاطعات مع فيلم الرعب الأميركي الشهير «saw»، حيث تشابه القناع الذي يستخدمه «واهم» في أثناء ارتكاب جرائمه مع قناع القاتل في الفيلم الذي كان يظهر فيه على الشاشة ليخاطب ضحاياه، كما ظهر واهم في إحدى الحلقات وهو يلعب على «السكوتر» في غرفة التعذيب، وهذا يذكرنا أيضاً بمشهد القاتل في الفيلم وهو على دراجة صغيرة يدعو ضحاياه لخوض تحدٍّ دموي جديد.

إلا أن العمل مجمله كان جديداً ومميزاً ومؤسساً رائعاً للدراما النفسية في العالم العربي من بعد مسلسل «قيد مجهول»، كما أنه طرح جملة من القضايا والموضوعات المهمة في وقت تعج فيه الشاشات والمنصات العربية بأعمال النسخ واللصق الخالية من أي فكرة وقيمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن