من دفتر الوطن

يوم من عمري!

| عصام داري

رنَّ هاتفي في الرابعة فجراً، وكنت نائماً مستمتعاً بالهواء العليل المنبعث من مروحتي في الساعة اليتيمة التي تأتينا فيها الكهرباء، فقلت بيني وبين نفسي: خير اللهم اجعله خير!. أنا أخاف من الاتصالات الليلية، فكيف يكون الأمر والاتصال في الرابعة فجراً؟

جاءني صوت أنثى «جميلة» تسألني عن صحتي وأحوالي، استغربت الاتصال وأسئلة المتصلة، وسألتها: من أنت؟ ويبدو أنها أدركت أن الرقم الذي طلبته غلط، فاعتذرت وأغلقت الخط!

لم أستطع العودة إلى النوم، فنهضت وتوجهت إلى المطبخ لأصنع فنجان قهوة كي أصحصح، وبعد وضع الركوة «دولة القهوة» فرغت أسطوانة الغاز، الأمر الذي اضطرني لاستخدام الموقد النحاسي الصغير الذي يعمل على «السبيرتو» أي الكحول الأزرق.

المشكلة لم تنته هنا فقد اكتشفت أن البن الذي عندي لا يكفي لأنني أقتصد في البن بعد أن وصل سعر الكيلوغرام إلى مئة ألف ليرة، ما يعادل راتبي.

قررت أن أتوجه إلى عملي مبكراً كي لا أمضي ساعات طويلة في البيت من دون كهرباء ووسط جو خانق ودرجات حرارة عالية بفعل «القبة الحرارية» التي ضربت العالم وبشكل خاص منطقتنا العربية.

وما إن مشيت بالسيارة خمسة أمتار حتى اكتشفت أن دولاب السيارة على الأرض «بنشر» وكان عليَّ استبداله، وهنا كان عذابي كبيراً يوازي عذاب الكافرين في نار جهنم وبئس المصير.

بعد معركة غير متكافئة استبدلت الدولاب وذهبت فوراً إلى «الكومجي» لإصلاح الدولاب الملعون! ليقول لي إن دولابي سليم لكن الهواء فرغ منه لقلة استعمال السيارة، طبعاً لتوفير البنزين!.

بعد إنجاز عملي توجهت فوراً إلى سوق البطاريات لأسأل عن سعر البطارية لأن بطارية سيارتي شارفت على مفارقة الحياة، فعلمت أن سعر البطارية يتجاوز الستمئة وخمسين ألف ليرة، فاشتريت بطارية صغيرة لزوم تشغيل «لدة» واحدة في الصالون كي لا نبقى في ظلام خمس ساعات ليلاً عندما تنقطع الكهرباء لأسباب فنية وأعطال بشرية وذكاء صناعي!.

من ثم ذهبت إلى السوق فاشتريت كيلو بندورة وكيلو خيار وكيلو باذنجان وكيلو كوسا وخسة وقليلاً من الحشائش، وأربع دراقات ومثلها من المشمش وبطيخة صغيرة، فكانت الفاتورة تعادل راتبي أيضاً.

في طريق عودتي إلى البيت توقفت سيارتي في منتصف الطريق وكأنها تعاتبني لأنني أتعبتها في هذا اليوم وهي التي اعتادت الراحة لأكثر من عشرة أيام في كل مرة تسير فيها ثلاثين كيلومتراً.

باختصار قامت إحدى السيارات بسحب سيارتي إلى أقرب ميكانيكي، فنظر إليها نظرة طبيب يعاين مريضاً وكل همه الحصول على الكشفية، وقال: «الكولاس» ملدوع ومن المؤكد أن حرارة محرك السيارة ارتفعت كثيراً، وهي بحاجة إلى معالجة عند الطورنجي.

لم أفهم شيئاً: كولاس.. ملدوع.. طورنجي.. هذه المصطلحات غريبة علي، لكن كل ما فهمته أن السيارة ستكلف «بقرة جحا» فتركتها عند الميكانيكي بانتظار السعي لدى أحد المصارف السورية لسحب قرض ينقذني من هذه المصيبة الجديدة، وإن المصائب لا تأتي فرادى حسب المثل الإنكليزي.

في البيت تذكرت سهرة تلفزيونية جميلة جداً أخرجها الصديق المخرج الراحل محمد فردوس أتاسي اسمها «يوم طويل» بطولة أيمن زيدان، فقلت بيني وبين نفسي: فعلاً كان يوماً طويلاً، لكنه ليس حالة استثنائية لأنه يوم من أيام عمري، أو يوم من عمري، وهو طبعاً ليس على غرار فيلم عبد الحليم حافظ (يوم من عمري).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن