إستراتيجية الولايات المتحدة لـ«تغيير النظام السوري» … رسائل القائم بالأعمال الأميركي في دمشق تفضح تآمر بلاده على سورية
| القاهرة – أ. د. محمد أشرف البيومي
نقدم هنا ملخصاً للنقاط البارزة التي جاءت في رسائل رسمية من مورا كونولي القائمة بالأعمال بالسفارة الأميركية بدمشق في الفترة ما بين 2008 و2009 وأيضاً روبرت روباك القنصل السياسي في الفترة بين 2004 و2007. حيث تظهر البرقيات السرية التي كشفتها الويكيليكس (التي أسسها جوليان أسانج الذي يقبع قسراً في سفارة الإكوادور بلندن) الخطوط العريضة لمحاولات الحكومة الأميركية تغيير النظام في سورية. ورغم أن المعالم الأساسية للمخطط التآمري كانت واضحة منذ البداية لمن أراد رؤيتها، إلا أن نشر الوثائق السرية التي تذكرها تفصيلياً يؤكد دون أدني شك ما استنتجناه من الواقع ومن المرجعية التاريخية في أمتنا العربية، والعديد من الخبرات المتراكمة حول التآمر الأميركي وقبله الاستعمار الغربي في كثير من دول العالم الثالث. يمكن للقارئ أن يطلع مباشرة على معلومات حول البرقيات المسربة من عدة مصادر الكترونية على سبيل المثال:
1-Wikileaks Reveal How the US Aggressively Pursued Regime Change in Syria Ignitng a Blood Bath، www. truth-ut. org Oct 9 2015
تظهر ويكيليكس كيف أن الولايات المتحدة اتبعت سياسة عدوانية لتغيير النظام في سورية ما أدى إلي حمام دم
2-Julian Assange: US & Israel Planned To Overthrow Assad In 2006. September 14، 2015
الولايات المتحدة وإسرائيل خططتا لإزالة الأسد عام 2006
3- Wikileaks: Depopulation of Syria is part of the US strategy 29. 10. 2015 –
ويكيليكس: تفريغ سكان سورية هو جزء من الإستراتيجية الأميركية على أساس أن خروج المتعلمين من الطبقة الوسطى سيؤدي إلى الانهيار، وفتح أوروبا لحدودها سيساعد الولايات المتحدة في تحقيق هذا الهدف.
• اتبعت الولايات المتحدة سياسة ذات رافدين لتغيير النظام في سورية هما تأييد ما يسمى نشطاء المجتمع المدني والمنظمات المعارضة الخارجية.
• كذلك عملت على إزالة الشرعية وعزل وزعزعة استقرار البلد من خلال العقوبات ووسائل أخرى.
• برقية في 2006 تبدأ باستنتاج أن الدولة السورية في وضع أقوى كثيراً داخلياً ودولياً عن وضعها في 2005 وتعرض البرقية مجموعة من الإجراءات الممكن اتخاذها لإضعاف نظام الأسد، والقائمة تشمل: مسألة اغتيال رفيق الحريري والمحاكمة، التحالف مع إيران، الدائرة الداخلية للنظام، الاختلافات في دوائر مؤسسات الأمن العسكرية.
• فشل إصلاحات سابقة: الكرد، دور عبد الحليم خدام.
• تشجيع حلفاء مثل مصر (مبارك) والسعودية لمقابلة شخصيات مثل خدام ورفعت الأسد لإرسال إشارات وتسريب أخبار بهذه اللقاءات تزعج النظام، على أمل أن يتخذ النظام ردود أفعال تضره.
• بالنسبة لما سمته «عامل خدام»: تشجيع السعودية مع آخرين لإفساح وسائل الإعلام لخدام حتى يسيئ للنظام ويساعد في المزيد من عزله وعداء جيرانه العرب.
• اللعب بمخاوف السنة نحو النفوذ الإيراني واستغلال المخاوف بهذا الشأن على الرغم من أن هذه المخاوف مبالغ فيها. ونحن علينا التنسيق بقرب أكبر بالحكومة المصرية (مبارك) والسعودية لاستخدام وسائل أفضل من أجل إبراز هذه المسألة والعمل على تركيز المنطقة (العربية) عليها.
• ومن المهم إبراز اقتراح بتغيير السلوك السوري عن طريق أمركة المزاج السوري عبرنشر رموز أميركية يمكن أن تساعد لتحقيق أهداف أميركا في سورية مثل تصدير محلات الجاب (محلات ملابس للشباب) ودجاج كنتاكي.
• ساهمت مجموعة العدل والتنمية (MJD) في عدد من اللقاءات في أوروبا وأميركا وهي عضو في «إعلان دمشق» عام 2005 كما أنهم كانوا يعملون في «مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط» التي كانت تدار من وزارة الخارجية الأميركية عبر قناة فضائية تمولها مؤسسة فورد.
• ليس واضحاً مدى مساهمة الحركة في حركات الاحتجاج الحالية (2011) لكن جبهة الإصلاح الوطنية التي أسسها خدام كانت تنظم احتجاجات المعارضة من خلال مؤتمرات في استنبول بتركيا ومحاولات لدفع أميركا لتوقيع عقوبات أكبر على سورية.
• رفعت الدولة السورية من عدائها للمجموعات «المعارضة» عندما تبين أن أميركا تمولها.
• البرقيات تظهر أن المعارضة كانت تنتظر اللحظة المناسبة لإسقاط النظام منذ فترة.
• النظام يدرك أن أميركا لعبت أوراقها بشكل رديء جداً.
• محاولة أميركا عزل النظام ووضعت حواجز أمام مشاركة السفارة الأميركية في برامج المجتمع المدني.
• أغضبت العقوبات الاقتصادية الشعب السوري.
نعم أدركنا منذ الحصار والعدوان الإجراميين للعراق ماذا تخطط له الامبريالية الأميركية وحلفاؤها سواء الكيان الصهيوني أم الحكومات العربية الرجعية. ففي ذلك الوقت أعلن وولسي رئيس المخابرات الأميركية ال CIAالسابق أن استهداف العراق سيتبعه سورية ثم مصر التي وصفها الـ «جائزة الكبرى». فهاهي مجلة التايمز الأميركية القريبة من صناع القرار تعلن في عددها الصادر يوم 28 نيسان 2003 بالقلم العريض «المحطة التالية: سورية؟» (الصورة المرفقة).
وتعلن أن إدارة بوش تمارس الضغط على دولة «مارقة» أخرى، من الواضح أن تهديد الدولة السورية سبق أحداث درعا بسنوات.
تتحدث المجلة عن اجتماع للثلاثي الإجرامي: باول ورامسفيلد وكونداليسا رايس حيث يقررون «هز قفص الرئيس السوري بعنف» علما بأن بجوار سورية ربع مليون عسكري أميركي في العراق. أدارت أميركا مدافعها (السياسية) من بغداد إلي دمشق. اتهم بوش دمشق بحيازتها أسلحة كيميائية غير مشروعة وحمايتها لقيادات عراقية هاربة وأن أسلحة الدمار الشامل العراقية هربت إلى سورية. طلب باول من الأسد أن يكف عن دعم الإرهابيين (مصطلح الإرهابيين أصبح مطاطا ففي عرف باول هم الفلسطينيون وحزب الله). رفض الرئيس الأسد المطالب الأميركية الفجة فأصبح بين يوم وليلة «قاتلاً لشعبه» ومطلوباً إزالته! ووضع المخطط حيز التنفيذ، بدأ بإعلان دمشق المشبوه وحمى الديمقراطية… مروراً بما نحن فيه الآن.
في دراسة سابقة (نشرتها إلكترونياً في آب 2012 بعنوان «البحث عن الحقيقة:الوضع في سورية) تناولت السؤال المهم عما إذا كان ما يدور في سورية يمثل محاولةً خطرة لفرض الهيمنة الغربية الشاملة على الوطن العربي أم إن القضية تتعلق بغياب الديمقراطية في سورية وهيمنة حاكم، ومن ثم وجب إزالته حتى ينعم شعب سورية بالرخاء والحرية والسعادة؟
هناك توجهان أساسيان للاقتراب من الحقيقة أحدهما هو إعمال المنطق المستند إلى خبرة معرفية موثقة متعددة الأبعاد (تاريخياً وجغرافياً وإستراتيجياً) والآخر هو الاستناد إلى معلومات من مصادر إعلامية وتقارير بحثية لها انحيازات مختلفة ومعروفة مع الإقرار بأن هذين التوجهين متفاعلان مع بعضهما.
ليست المسألة صعبة لمن حدد هدفه بضرورة الحفاظ على الوطن وسيادته ولديه قدر بسيط من المعرفة التي يملكها عموم الشعب فنادرأ جداً أن نجد مواطنا عربيا يعتقد أن الشغل الشاغل للحكومة الأميركية أو البريطانية أو الفرنسية هو نشر الحرية والديمقراطية في بلادنا أو أن الكيان الصهيوني يسعى للسلام. فمن أول وهلة تصبح مقولات هذه الدول كاذبة ومغرضة حتى وإن ركزت على بعض سلبيات موضوعية للنظام. كما أن تطور الأحداث يكشف الأمور ويفضح التآمر من دون أدنى شك.
ثم تجيء وثائق الويكيليكس التي نشرت مؤخراً فتصبح صفعة إضافية للعناصر الانتهازية التي لا تزال تنكر التآمر على سورية أو تقلل من العامل الأجنبي لتطور الأحداث وتلقي باللوم كله على النظام ورئيسه.
هذه الوثائق تعتبر نموذجاً لما دار سابقا في بلادنا وبلاد أخرى ولما تحوكه أميركا لمن تريد إسقاطه في المستقبل حتى من الذين يعتقدون ببلاهة أنهم حلفاء لها.
أستاذ الكيمياء الفيزيائية بجامعة الإسكندرية وجامعة ولاية ميشيجان (سابقا)