ثقافة وفن

رقص الباليه الملهم بأهم الموسيقا العالمية … بين التناغم الجسدي والموسيقي والتفاعل مع الجمهور حكاية إبداع

| أنس تللو

تختال أمامك كجذعِ نخلةٍ سامقةٍ غضّ، يتراقصُ حسب نسمات هواءٍ نديةٍ؛ تأتيه من يمين وشمال.

تتباعدُ أعضاؤها، وتتقاربُ ضمن جسدٍ أملسَ طري، فتشكلُ لوحةً متحركة؛ يتبارى فيها الحسنُ في كل حركةٍ بديعةٍ وحيالَ كل وضعٍ فتَّان.

إنه رقص الباليه، رقصُ الباليه سحر وفنٌّ وجمال؛ تصاميم خلابةٌ وإضاءةٌ وموسيقا وأزياء وحركاتٌ رشيقةٌ خفيفةٌ تُبهر العيون.

رقصُ الباليه فن عريقٌ للذكور والإناث، ويصاحبه دوماً موسيقا كلاسيكية، وغالباً ما تكون لتشوفيسكي الذي لحَّن ألحاناً خاصة لرقص الباليه مثل موسيقا (بحيرة البجع)، و(الجمال النائم) و(كسارة البندق).

ظهر فن الباليه لأول مرة عام 1500م في إيطاليا، وهو في الإنكليزية (ballet)، وجاءت تسميته من الكلمة الإيطالية (ballare) والتي تعني (to dance) أي لنرقص، وقد كان الراقصون يرتدون أقنعة وملابس مزركشة، ويضعون أغطية على الرأس، ثم أصبحت الملابس خفيفة ومن قطعة واحدة.

كان فن الباليه مقتصراً على النبلاء من النساء والرجال في المناسبات الاحتفالية باهظة الثمن، وله برنامج خاص به، وله مصطلحات ومفردات رسمية، وقد انتشر بشكل غزير في باريس، ثم انتقل إلى روسيا، وفي منتصف القرن التاسع عشر بلغ فن رقص الباليه أوجه، فتحولت روسيا إلى مركز إبداعي رائد لعالم الرقص، ما أدى لظهور أشكال وأنماط مسرحية جديدة، فقد ظهر رقص باليه من نوع خاص؛ يعتمد على الوقوف على إصبع القدم؛ تمارسه نساء يرتدين تنانير بيضاء قصيرة؛ تنتهي عند الركبة، ثم انتشر أكثر فأكثر حتى أصبح نوعاً شائعاً من أنواع الرقص في العصر، وفي أوائل القرن العشرين تمَّ افتتاح العديد من شركات الرقص في إنجلترا، وتم تأسيس المسرح الأميركي للباليه في نيويورك، وتم افتتاح العديد من المدارس لتعليم رقص الباليه الحديث في أميركا آنذاك.

يعتمد رقص الباليه على المزج بين الأزياء والمجموعات الخيالية وإثارة القصة وعلى التناغم بين الراقصين والتناسق فيما يُؤدونه من حركاتٍ وتعبيراتٍ رشيقة، ويتميز بكونه مجرداً، إذ يركز على الرياضة والحركات القوية بلمسة من الجاذبية الجسدية والإبداع بين الراقصين والراقصات، ويتضمن حبكات تمثيلية مُعقدة مع الكثير من الحركات الأرضية، تلك الحركات التي من شأنها أن تدفع الجمهور للتفكير في السمات الجمالية التي يُظهرها الجسم، ومن ضمنها قوة الحركة وسرعة الأداء.

ويرتدي الراقصون عادة ألبسة مصنوعة من الحرير أو النايلون أو البولستر الصناعي، ويُذكر أنه هناك تسريحات شعر خاصة بهذا الفن، من أبرزها تسريحة اسمها كعكة الباليه الكلاسيكية، وتسريحة ضفائر جيزيل.

شروط خاصة للاعب الباليه

1- يجب أن يتمتع لاعب الباليه بالمقدرة على وضع مُحاذاة العمود الفقري، لكي يتمكن من المحافظة على جسمه مستقيماً.

2- يجب أن يحقق اللاعب الجسم التوازن المطلوب بين الوزن والطول، لكي يتمكن لاعب الباليه من تأدية الحركات بسهولة، إذ يجب أن يتراوح الوزن المطلوب لراقصة الباليه بين 40 إلى 62 كيلوجراماً، والطول بين 160 سم إلى 175 سم.

3- المقدرة على التحمل، لأن تمارين الباليه تحتاج قدرةً عالية على وعضلاتٍ قوية.

4- يجب أن يتمتع لاعب الباليه بالمقدرة على تصميم رقصات مُبتكرة جديدةٍ من صُنعه.

5- امتلاك اللاعب لمهارة التركيز العقلي والجسدي لدرجة تؤهله على التواصل مع زملائه الآخرين من خلال العيون.

6- التناغم الحركي على إيقاع الموسيقا بحيث يكون هناك انسجام تام بين حركات الراقص وبين النغمة الحالية.

7- التفاعل مع الجمهور والمقدرة على توصيل المتعة إليه.

حركات الباليه

لا يمكن لمن لا يملك الرشاقة الكافية أن يؤدي حركات راقص الباليه المرتبطة بالذراعين وبالقدمين، وأما حركات القدمين فإن كل حركة مرتبطة بوضع من أوضاع الذراعين، فحين تتم ملاصقة الكعبين لبعضهم بعضاً وقلب القدمين للخارج كأنهما خط مستقيم؛ يجب رفع الذراعين للأعلى، وحين يتم فصل القدمين بمسافة تقدر بـ30 سم، يجب أن يكون الذراعان مفتوحَين بشكل أفقي، وهناك وضع تُلوى فيه القدمان للخارج، ويوضع كل كعب أمام الآخر، أو يتم قلب القدمين للخارج، وتوضع إحدى القدمين أمام الأخرى، ويمتد المفصل الأول للإصبع الكبير إلى ما بعد كعب القدم الأخرى.

أما حركات الذراعين فإن لها عدة أوضاع، منها أن يتم مدُّ الذراعين ورفعهما للأمام بزاوية 80 درجة أمام الجسم، وتكون الأكواع مُستديرة والأصابع مبسوطة، ويمكن أن تمتد الذراعان على جانبي الجسم في وضعٍ أفقي وخط مُستقيم مع وجود انحناءة صغيرة للكتفين والمعصمين للأسفل؛ ومن الأوضاع أيضاً أن يتم رفع كلا الذراعين فوق الرأس مع وجود انحناء وتقوس طفيف في المرفقين والمعصمين.

فوائد وأضرار رقص الباليه

لرقص الباليه فوائد جسدية ونفسية، وأما الجسدية فإنه يُحسن القوام، ويبني العضلات، ويجعل الجسم رشيقاً، ويُحسّن المرونة، وأما الفوائد النفسية فهو يولِّدُ لدى اللاعبين عزيمة الإصرار على التعلم، لأنه مهما كانت الحركة التي يُحاولون التدرب عليها معقدة أو صعبة، فإنه لا يمكن التراجع عنها؛ كذلك فإن رقص الباليه يعلِّم الثقة في النفس، لأن إنجاز مجموعة كبيرة من الحركات اليومية يعزز الشعور بالفخر.

أما الأضرار فقد يؤدي الإجهاد الجانبي للجسم لعدة ساعات في اليوم إلى الإصابة بالتواء الكاحل، وقد يؤدي الإفراط في التدريب إلى الوصول إلى الإجهاد والشعور بالدوار أو الألم، وربما يؤدي رقص الباليه إلى تورم أصابع القدم بسبب الضغط والتحميل على مفصل إصبع القدم الكبير.

وفي النهاية إن هذا الفن فنٌّ عريق يحمل للمتفرج متعة نفسية عميقة؛ تجلعه أحياناً يغوص في التأمل العميق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن