نتمنى جميعاً حلاً مهماً لوضع معيشي متأزم يضني شريحة كبيرة من السوريين. وفي فسحة الانتظار – الموجعة- نعيش ضجة غير مسبوقة على وسائل التواصل الاجتماعي، ساخرة من الأوضاع المتردية في كثير من المجالات ولاسيما (الرواتب والأجور في القطاع العام وانخفاض قوتها الشرائية، وانقطاع الكهرباء لفترات قياسية، والنقص الفادح في المياه، والازدحام على الخبز والنقل العام …إلخ).
وثمة على صعيد آخر تعنيف لأصحاب القرار أنهم لا يعملون ولا يبتكرون حلولاً إبداعية للعبور إلى الأفضل، تعنيف يصب جام غضبه على عدم الإنجاز والتباطؤ القاتل في التعامل مع كثير من الملفات الحياتية المهمة، مثل (تطبيق قانون الحوافز والعلاوات وكان كفيلاً بتحسين الوضع المعيشي – نسبياً – والتأمين الصحي على مليون متقاعد هم بأمس الحاجة إلى الدواء على الأقل.. «والمعنفون على حق، لأن من لا يتقدم يتقهقر» مثل فرنسي.
ثالثاً: والأخطر على الإطلاق، التعبير عن اليأس المطلق، على الرغم من أننا نعيش، «أن تحيا بلا أمل أي أن تكف عن الحياة» مثل روسي.
رابعاً: ارتفاع أصوات ذات فكر واحد، تطالب بترك الحبل على الغارب، وتغييب الدولة عن الفعالية الاقتصادية: إلغاء المنصة- وتحرير سعر الصرف- سعر واحد للبنزين _ حرية بلا ضفاف للرأسمال المهاجر كي يعود ويستثمر في البلد: (أعيد طرح شعار: دعه يعمل دعه يمر). أصوات لا تنتبه لما حدث في لبنان إذ وصل الدولار إلى 100000 ل.ل والبنزين إلى 1.6 مليون ل.ل…!!.
لا نهوض من دون دولة قوية ذات سواعد جبارة إنتاجية وخدمية، توفرها لها، منشآت ومؤسسات القطاع العام الإنتاجية والخدمية، وإلى جانب ضرورة الزيادة الدورية للرواتب والأجور، لجسر الهوة التي باتت سحيقة بينها وما بين الأسعار وأجور الخدمات في سورية، يجب أولاً تفعيل عدة قوانين مهمة، ظلت لفترة طويلة مطلباً أساسياً في كل مؤتمرات النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية ومجالس المحافظات، وفي مقدمتها قوننة اقتصاد الظل الذي يشكل 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السوري، وإذ يجري الحديث اليوم عن تهرب ضريبي وصل إلى2000مليار ليرة سورية! بفعل التضخم المالي، (وكان حتى وقت قريب 200 مليار ل.س)، فما ذلك إلا نتاج عدم تسديد ملايين العاملين في هذه المجالات المربحة، لأي شكل من أشكال الضرائب والرسوم، علماً أنهم على الصعيد التجاري مثلاً، غالباً ما (يغدرون) بزبائنهم، ويبيعون بأسعار أعلى من تلك السائدة في المحال الثابتة.
ثانياً: إن أي حديث عن ضبط الأسعار وخفضها، سيبقى صرخة في واد، إذا لم تتوسع مراكز البيع الحكومية وتتطور. ففي دمشق على سبيل المثال 26 مركزاً حكومياً لبيع اللحوم، مقابل 715 دكان قصاب، ومع ذلك فإنها عندما تبيع كيلوغرام لحم العجل بـ60 ألف ليرة فإن القصابين في محيطها يبيعون الكيلو بـ80 ألفاً، وعندما تغلق أبوابها مثلما حدث في أعقاب عيد الأضحى مؤخراً، فإن الأسعار لدى القصابين المشار إليهم تقفز إلى 100000ل.س.
ومن دون دور فعال لصالات التجزئة للسورية للتجارة ببيعها منتجات المزارعين مباشرة للمواطنين، لن يشعر الناس ببعض الراحة المعيشية، ونعمم هذا الكلام على بيع كميات شهرية من المواد الأساسية (سكر- رز- برغل- زيت نباتي- سمنة- شاي- متة). سيشكل هذا البيع بأسعار مدروسة، إعانة للأسر المستورة، مع ما يضفيه الخبز المدعوم وأسطوانة الغاز المدعومة على حياة ذوي الدخل المحدود من سند.
أما من يصرون على إنفاق عشرة آلاف ليرة يومياً كحد أدنى، على تدخين السجائر وفيها ضرر هائل لصحتهم، وآلاف الليرات الأخرى على وحدات الموبايلات من دون فائدة إنتاجية، فإنهم كمن يصب الزيت على نار وجعهم المعيشي، ولن تنفعهم أي تغييرات أو زيادات أو أي حلول من (خارج الصندوق).
ثمة مصانع حكومية يجب أن تستفيد من قانون الدمج والتحول إلى شركات مساهمة وتستعيد عافيتها، ويجب على المجلس الأعلى للتعليم التقني تفعيل القانون 39 وتحويل المعاهد المتوسطة إلى معاهد إنتاجية.
وهذا غيض من فيض وهو – في رأيي أكثر جدوى – من المراوحة عند تشخيص الداء – وتركه من دون دواء.