قضايا وآراء

سورية والعراق.. تقارب طموح محاط بالمعوقات

| الدكتور مازن جبور

زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى دمشق تمثل الخطوة الأكثر أهمية في سلسلة خطوات التقارب العربي مع سورية، انطلاقاً من حجم الطموح المعزز بإمكانات تطوير العلاقات بين البلدين، إلا أن هذه الخطوة لا بد أنها ستصطدم بردود فعل لاحقة من المعارضين لها، وستكون المعوقات حاضرة بقوة لمنع تنفيذ أي اتفاقات بين البلدين.

لعبت العراق على طوال السنوات الخمس الماضية دوراً محورياً في عودة التقارب السوري – العربي، انطلاقاً من بوابة العمل العربي المشترك، وضرورة التحام الصف العربي في مواجهة الأخطار المشتركة على الأمة العربية، وفي مقدمتها ملف المياه المشترك بين سورية والعراق في مواجهة الكميات القليلة التي تسمح تركيا بمرورها عبر دجلة والفرات باتجاه البلدين الشقيقين الجارين، وهذا تحد تنموي ووجودي خطير يتطلب تنسيقاً مشتركاً على مستويات عالية بين البلدين، ويوازي في خطره مساعي النظام التركي المستمرة للاعتداء على أراضي الدولتين.

شكل استقبال الرئيس بشار الأسد لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بمراسم استقبال رسمية، والظهور بمؤتمر صحفي مباشر لأول مرة منذ بدء الأزمة السورية، تعبيراً واضحاً عن عمق المكانة التي تكنها دمشق لبغداد، مكانة حرص الرئيس الأسد على إظهارها ليؤكد للعرب جميعاً أن ما يجمعنا أولاً هو الأخوة، فجاء حديث الرئيس الأسد ليعكس موقفاً حقيقياً باسم سورية والسوريين للعراق والعراقيين، محاولاً بذلك أن يوضح للعرب جميعاً الشكل الحقيقي لنقطة الصفر من حيث يجب أن تبدأ العلاقات العربية – العربية، نقطة الصفر تلك هي الأخوّة، وما تقتضيه من الأخ تجاه أخيه.

تمثل الجغرافيا والتاريخ أهم عاملين حاكمين للعلاقات التاريخية بين البلدين، وهو ما حاول الرئيس الأسد ورئيس الوزراء العراقي التعبير عنه، وتحويله إلى رؤى طموحة للشروع في إعادة بناء العلاقات بين الدولتين الملتقيتين هذه المرة ليس في التاريخ والجغرافيا فقط، وإنما في الإرادة وفي القيادة الطموحة لاستثمار القواسم المشتركة بين الدولتين، لتحقيق مستويات تنموية طموحة تتناسب مع ما حققه البلدان على صعيد محاربة الإرهاب طوال العقد الماضي، وما يجب أن يحققاه اليوم على مستوى القضايا المشتركة التي تهم البلدين وتمس شعبيهما بشكل مباشر.

ولأن دمشق تعي ما يجري وتنظر بواقعية إلى مجريات التقارب العربي مع سورية، من منطلق العارف بمدى التأثير الأميركي الغربي في هذا الملف، فهي تعول بموازاة التقارب الذي شرع العرب به، أن ترسم معالم تقارب ثنائي ضمن المنظومة الإقليمية العربية جغرافياً وخارج أروقتها على المستوى السياسي والمؤسساتي، أي على مستوى ثنائي، وبهذا الخصوص تمثل العلاقات السورية العراقية، والسورية الجزائرية، والسورية التونسية، نماذج واعدة.

لكن تبقى عصي واشنطن حاضرة في طريق أي مساع سورية للخروج من دائرة العدوان الأميركي والغربي عموماً عليها، إذ ترمي معوقاتها أمام كل خطوة في هذا الاتجاه، وفي هذا السياق تأتي تحركاتها الحالية في المنطقة الممتدة من مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية في منطقة التنف، حتى مثلث الحدود السورية العراقية التركية شمالاً، هذا الوجود الأميركي في هذه المنطقة الإستراتيجية يمثل أكبر إعاقة لأي مشاريع اقتصادية في المنطقة، سواء بين سورية والعراق أم بين الفواعل الدولية في كامل الإقليم، ومن ثم فإن زوال الوجود الأميركي من هذه المنطقة لا يمثل مصلحة سورية عراقية فحسب وإنما مصلحة إقليمية عامة، تشمل كل دول الإقليم من سورية إلى العراق وحتى إيران وتركيا ودول الخليج العربي، ومن ثم فإن الوقوف في وجه هذا الوجود الأميركي، يجب أن يكون مسؤولية جماعية إذا ما أرادت دول الإقليم تحقيق المزيد من التنمية والاستقرار الأمني والسياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن