قضايا وآراء

تسخين تكتيكي في الشمال الشرقي

| عبد المنعم علي عيسى

ما انفكت التقارير الميدانية الصادرة عن جهات عدة ترصد العديد من المؤشرات التي راحت تتراكم في غضون الأسابيع القليلة الماضية فتستنتج منها أن ثمة تصعيد ميداني بات محتملاً على خلفية التوتر الحاصل ما بين القوات الروسية والأميركية المرتبطين باتفاق «منع تصادم» موقع ما بينهما منذ بدء عملية «عاصفة السوخوي» أو بعد عدة أشهر على انطلاقها عندما تبين أن حجم التواجدين، الروسي والأميركي، في الأجواء يقتضي الذهاب نحو ذلك الاتفاق.

تقول بعض تلك التقارير: إن القوات الأميركية عمدت في غضون الأسبوعين الفائتين على استقدام تعزيزات لقواعدها في حقلي «العمر» و«كونيكو» بريف دير الزور وتلك التعزيزات تضمنت نصب منظومة صواريخ «هيمارس» في تلك القواعد، ثم تقول التقارير عينها إن القوات الأميركية استقدمت نحو 2500 جندي من «الفرقة الجبلية العاشرة» في الجيش الأميركي باتجاه سورية والعراق وإرسال طائرات «إف 16» إلى دول الخليج، ما يظهر «استعداداً أميركياً لشن هجمات جوية محدودة في حال حصول أي تصعيد روسي- سوري ضد القوات الأميركية»، كما تشير التقارير عينها إلى أن الأخيرة أجرت في تينك القاعدتين تدريبات واسعة هدفت من خلالها لرفع جاهزية تلك القوات في مواجهة أي هجوم محتمل، قبيل أن تنضم «قاعدة الشدادي» بالريف الجنوبي لمدينة الحسكة إلى الحالة إياها سابقة الذكر، وما تشير إليه التقارير أيضاً أن «الحلفاء» ساروا على المنوال نفسه، فقد دفعت ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» هي الأخرى بتعزيزات على امتداد خطوط التماس مع الجيش العربي السوري، لكن مع تأكيدها على أن ذلك يجري «في إطار العمليات العسكرية الروتينية ضد تنظيم داعش»، وقالت «قسد»: إن التنظيم استعاد كثيراً من نشاطه مؤخراً الأمر الذي يمكن لحظه بـ«رفع راياته في ريف دير الزور الشرقي خلال تظاهرات كانت قد حصلت مؤخراً في تلك المنطقة، ولربما يبرز من خلال الفعل الأخير ميلاً أميركياً نحو توسيع مناطق سيطرة «قسد» بريف دير الزور الشرقي من خلال استحضار ذريعة «داعش»، وعلى الرغم من أن ما ذكر كان صحيحاً، بمعنى أن المتظاهرين رفعوا رايات «داعش» فعلاً، إلا أن الفعل لا يندرج في إطار الموالاة للتنظيم بقدر ما يهدف لإظهار العداء ضد ميليشيات ما انفكت تعبث بالجغرافيا والتركيبة والثروات.

من الراجح أن السخونة الحاصلة راهنا في مناطق شرق الفرات مردها يعود إلى سعي أميركي ماض نحو تثبيت مواقعه المضطربة مع طهران وموسكو على حد سواء في جبهة تحوي خطوط تماس مباشرة ما بين أطراف ذلك الثالوث، حيث القراءة الأميركية المحتملة في هذه الظروف تقول إن كلا الطرفين، أي موسكو وطهران، تريان أن الظروف مناسبة لتسجيل نقاط في الملعب الأميركي المشتبك مع كليهما بجبهات أخرى ولربما، وهذا لا يزال في نطاق القراءة الأميركية المفترضة، كانت الأخيرة، أي طهران، صاحبة المصلحة الكبرى في اتجاه كهذا قياساً لتقارير راجت مؤخراً في الإعلام الإسرائيلي مفادها أن نص «الاتفاق النووي الإيراني» الجديد بات جاهزاً، والمعوقات التي تحول من دون إشهاره لا علاقة لها ببنود ذلك الاتفاق، وبذا يصبح التسخين الإيراني، وفق القراءة الأميركية أيضاً، كما الدفع باتجاه تقريب البعيد.

لا تتيح تركيبة القوات الأميركية، ولا الفصائل التابعة لها، الانخراط في عمل عسكري موسع يهدف من حيث النتيجة إلى تغيير في خرائط السيطرة القائمة راهناً، فتلك القوات، ذات تسليح وانتشار دفاعي باستثناء الجوية منها التي تستطيع تنفيذ هجمات ضد المواقع التي تريدها، أما الفصائل التابعة لها، وفي الرأس منها «قسد» تبدو غير قادرة في هذه الآونة على القيام بدور «الذراع البري» الذي قامت به ما بين 2014 – 2019 مع قوات «التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية» لاعتبارات تتعلق بالتوتر الحاصل على الحدود ما بين المناطق التي تسيطر عليها وبين الحدود التركية، أما باقي الفصائل مثل «جيش سورية الحرة» فهي إضافة إلى قلة عديدها تعاني من انقسامات تتمحور حول قيادتها الراهنة وتلك السابقة، أما «الصناديد» و«مجلس دير الزور العسكري» فهي من الصعب عليها الانخراط في عمل عسكري موسع على خلفية التوتر القائم راهناً فيما بينها وبين «داعش».

بناء على ما تقدم فإنه من الراجح أن الحماوة التي تعيشها مناطق الشرق والشمال الشرقي من البلاد لن تذهب إلى حدود أبعد مما هو حاصل راهناً، والنية لدى الأطراف كلها هي ممارسة ضبط النفس وعدم الانجرار إلى تسخين من الصعب على الكل، التنبؤ بالمآلات التي يمكن أن يصير إليها، ولربما كانت مرامي الأطراف من ذلك الفعل لا تتعدى أحد أمرين الأول منهما أنه قد يكون أشبه بإرسال رسائل متبادلة، بين الطرفين الروسي والأميركي، مفادها أن التفكير بتغير خرائط السيطرة دونه عقبات كبرى من الصعب تجاوزها، وثانيهما أنه قد يكون في إطار التسخين اللازم والضروري إذا ما كان أحد الطرفين، أو كليهما، يفكر في وضع آلية جديدة لـ«منع الاصطدام» المعمول به منذ أواخر العام 2015.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن