من دفتر الوطن

المعادلة العجيبة!

| عصام داري

حاولت تجاهل الحديث اليومي للناس الذي يدور حول «واقع الحال»، بل عملت على تبرير ما يجري على الساحة الوطنية وذلك بتبني التبريرات الحكومية الجاهزة والتفصيل، لكنني وجدت نفسي عدواً للناس.

شاشات التلفزة تقدم سيلاً من التحقيقات والريبورتاجات والتصريحات والمقابلات الرسمية والشعبية حول أسباب هذا الفجور والعهر في ارتفاع الأسعار وتدني الرواتب والأجور التي وصلت إلى حد أن راتب موظف حكومي بمرتبة مدير لا يستطيع شراء كيلو لحم واحد في الشهر شريطة استبعاد جميع مستلزمات «البيت السعيد» من خبز وخضار وزيت وزعتر ولبنة وجبنة وزيتون، وحتى من دون كافيار وسلمون وصحن الفواكه الاستوائية على موائد كبار التجار وبعض المسؤولين، فكيف يعيش الناس من دون كافيار؟ يا ويلتي!

في لقاءات مع المواطنين قال أحدهم: راتبي لا يتجاوز المئة وخمسين ألف ليرة في حين تحتاج أسرتي لثلاثة ملايين ليرة شهرياً كي نعيش بكرامة وعلى الكفاف!

وقال مواطن آخر على إحدى الشاشات إن راتبه الشهري مئة ألف ليرة في حين هو يحتاج في هذا الغلاء إلى مئة ألف ليرة يومياً، وهو ما يعادل أيضاً ثلاثة ملايين ليرة.

هذا التطابق والتوافق بين المواطنين يعطيني مؤشراً للحال الذي وصلت إليه الأمور، فكلامهما هو كلام الناس مع اختلافات بسيطة، كأن يقول لك أحدهم إن مليون ليرة شهرياً قد تكون كافية، لكن من دون حساب الطبابة والأدوية والمدارس والجامعات والمحروقات على أشكالها وألوانها.

هذا الواقع يطرح عدة أسئلة قد تكون غريبة جداً: إذا كانت الأسرة تحتاج شهرياً إلى ثلاثة ملايين، أو مليون أو حتى خمسمئة ألف ليرة، في حين دخلها الشهري لا يتجاوز المئة وخمسين ألف ليرة، فكيف يعيش أفرادها، وكيف تردم الفجوة الهائلة بين الدخل والمصاريف؟

يقول بعضهم: اللجوء إلى أكثر من عمل ووظيفة قد يكون الحل بشكل مؤقت، فقد يقوم موظف بمرتبة مدير بالعمل سائق سوزوكي بعد الدوام الرسمي شريطة أن يتقن التخفي كما حدث في مسلسل يوميات مدير عام.

ويقول آخرون: الحمد لله أولادنا وأقاربنا في المغتربات يرسلون لنا حوالات مالية تساعدنا في تدبر أمورنا إلى حد ما، صحيح أنها مبالغ تافهة هناك في المغتربات، إلا أنها قيّمة جداً عندنا فهي الرافد المهم لدخل الكثير من الأسر السورية.

لكن السؤال الأهم هو: إذا كانت الأسرة تعيش على راتب واحد ولا يستطيع أحد من أفرادها توفير عمل آخر، وليس عندها أقارب في المغتربات، فكيف سيكون حالها؟.

تعالوا ننظر إلى أبعد من أنوفنا ونسأل أنفسنا: لماذا تتفاقم ظاهرة السرقة في البلد بشكل خاص، وتتنامى الجريمة بشكل عام؟

سأضرب مثلاً شخصياً نوعاً ما، لكنه يعطي صورة لما نحن فيه: في البناء الذي أسكن فيه تمت سرقة النوافذ الداخلية (المصنوعة من الألمنيوم والزجاج) وسرقة الكابلات النحاسية المستخدمة في المصعد والإضاءة، وسرقة «أغطية ريغارات» الصرف الصحي، وأكثر من ذلك، فقد استيقظ أصحاب العديد من السيارات ليجدوا سياراتهم بلا إطارات.

هل نستطيع فصل ارتفاع نسبة الجريمة عن واقعنا؟

لكن أغرب ما يمكن تصوره أن هناك من يكاد يموت جوعاً، في حين تجد المطاعم من ذوات الأنجم المتعددة تغصُّ بروادها يومياً، فهل يستطيع أحدكم حل هذه المعادلة العجيبة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن