الأجور والرواتب هي السبب ومطالب بأخذ رغبات الطلاب عند القبول في الاختصاصات الجامعية … حلب تدق ناقوس الخطر: ترهل وتراجع في التعليم الحكومي لمصلحة الخاص
| حلب- خالد زنكلو
قرعت دراسة ميدانية أعدها ونفذها باحثون في «مركز الشهباء للدراسات الإستراتيجية»، ناقوس الخطر حول التعليم العام ما قبل الجامعي في مدينة حلب. وخلصت إلى مجموعة كبيرة من الصعوبات التي تعيق واقع وآفاق العملية المترهلة في التعليم الحكومي المجاني لمصلحة الخاص المأجور، ووضع مقترحات وتوصيات تساعد أصحاب القرار في التغلب على المشكلات لوقف التراجع في هذا القطاع وتحسين المستوى العلمي والثقافي لمخرجات التعليم عموماً.
واعتمد باحثو المركز، التابع لفرع حلب لحزب البعث، في تنفيذ هذه الدراسة، على الأسس والمعايير العلمية المتبعة في الدراسات والبحوث العلمية، بمسارين متوازيين؛ الأول: الطلب من مديرية التربية بمحافظة حلب بموافاته بالمعلومات والبيانات عن واقع التعليم الحكومي والتعليم الخاص. والثاني: إجراء دراسة ميدانية من خلال استبيان إحصائي وزع على أربع مجموعات.
وجرى تحديد مجتمع وعينة الدراسة من الكادر التربوي والتعليمي في التعليم الحكومي والخاص في مرحلتي التعليم الأساسي والتعليم الثانوي العام، وأهالي التلاميذ والطلاب في مدينة حلب. وأجريت الدراسة، التي حصلت «الوطن» على نسخة منها، على عينة إحصائية ميسرة بلغ عددها 300 شخص، استعيد منها 294 استمارة صالحة للتحليل.
وتضمن نموذج أسئلة الاستبيان أربع مجموعات.
وأظهر مستخلص نتائج إجابات أسئلة المجموعة الثانية عن واقع التعليم العام الحكومي أنه يعاني هجرة الخبرات والكفاءات التربوية والتعليمية إلى خارج منظومة التعليم، كما يعاني الكادر التربوي والتعليمي التدني الشديد جداً في الرواتب والأجور ومتمماتها في مختلف مراحل التعليم الحكومي، كذلك وجود تقصير غير مبرر في المتابعة والرقابة من الجهات المعنية لضبط حسن سير العملية التربوية والتعليمية، وغياب المحاسبة للمخالفين والمقصرين، وتراخ في تطبيق العقوبات المسلكية الرادعة في منظومة التعليم.
كما بينت النتائج وجود هدر غير مبرر في الممتلكات العامة والأموال المخصصة لتطوير ودعم منظومة التعليم، وعدم كفاية الدعم المادي والمعنوي العادل لمدارس التعليم الحكومي لخدمة تطوير العملية التعليمية، عدا الخلل في توفير وتوزيع الكتاب المدرسي في التوقيت المناسب، وغياب تطبيق قواعد السلامة العامة والخدمات الصحية والنظافة، وعدم كفاية المخابر وتقنيات التعليم الحديثة والمتطورة المساعدة في العملية التعليمية وضعف استثمارها، إلى جانب تفشي حالات الفساد المالي والإداري والتعليمي لغياب الرقابة الإدارية والمالية من الجهات المعنية.
وأورد كتاب مديرية التربية بحلب مقترحات طالبت بتنفيذ دورات تدريبية بشكل دوري لرفع كفاءة المعلمين ضمن المدارس، والعمل على إجراء الصيانة الدورية لتحسين بيئة البناء المدرسي وتأمين منظومة طاقة بديلة للمدارس بما يسمح باستثمار وسائل تقنيات التعلم والانتقال بالتعليم إلى التعليم التفاعلي، وربط جميع المدارس بشبكة الإنترنت بما يسمح بالاطلاع على التطورات في مجال التعلم والتعليم، مع استكمال النقص من الكادر الإداري والتعليمي ورفع رواتب المعلمين بما يكفل حياة كريمة للمعلم ويسمح بتفرغه للقيام بعملية التعليم ومتابعة آخر وأحدث ما وصل إليه العلم في مجال عمله.
وأظهر مستخلص نتائج إجابات أسئلة المجموعة الثالثة عن أسباب توسع التعليم الخاص وانتشاره، الارتفاع الكبير للرواتب والأجور التي يتقاضاها الكادر التعليمي في هذا القطاع، وتوفر الخبرات والكفاءات التعليمية، وهي ناتجة عن هجرتها من التعليم الحكومي، وارتفاع مستوى الأداء إلى حد ما ناتج عن وجود الكفاءات والخبرات التعليمية، إضافة إلى التواصل المستمر والفعال بين إدارات المدارس الخاصة وأهالي الطلاب، ووجود بيئة اجتماعية وترفيهية جاذبة تساعد في رفع المعنوية والقدرة على الاستيعاب، ووجود الحد الأدنى من وسائل تعليمية حديثة ومتطورة، لكنها غير كافية.
كذلك أظهرت النتائج، الاهتمام بالطلبة من خلال تأمين الألبسة ومستلزمات الدراسة المناسبة، وتوفير الكتاب المدرسي في الوقت المناسب، إلى حد ما، ووجود واستخدام وسائل تعليم وتقنيات حديثة ومتطورة مع دمج التكنولوجيا بالتعليم، إلى حد ما، مع أساليب مشجعة على تعليم اللغات الأجنبية وانخفاض أعداد الطلاب في الشعب الصفية، وارتفاع تكاليف التعليم الخاص بشكل جنوني لا يؤدي إلى تحسين مستوى التعليم.
كما أظهرت بيانات كتاب مديرية التربية بحلب عن التعليم الخاص أن عدد مدارس التعليم الأساسي 58 مدرسة، وعدد تلاميذ التعليم الأساسي 19425 تلميذاً بوسطي 26 تلميذاً في الشعبة الصفية الواحدة، بينما بلغ عدد مدارس التعليم الثانوي 22 مدرسة، ومتوسط عدد الطلاب في الشعبة الصفية الواحدة 27 طالباً، مقابل وصول عدد المعلمين المؤهلين في التعليم الأساسي والثانوي إلى 1604 معلمين.
واستعرض مستخلص نتائج المجموعة الرابعة مقترحات من الأسئلة المفتوحة، ركزت على العمل لتأهيل المعلمين وخاصة القدامى على تقنيات وأساليب التعليم الحديثة والمتطورة، وتفعيل المتابعة والرقابة الإدارية والمالية على مدارس التعليم الحكومي والتعليم الخاص، والاهتمام وزيادة أعمال الصيانة للأجهزة والمعدات ووسائل الإيضاح الحديثة والمتطورة، وضرورة العمل على تعديل المناهج المدرسية.
أما مستخلص نتائج المجموعة الرابعة عن المقارنة بين التعليم العام الحكومي والتعليم الخاص، فأوضح أن التعليم الخاص أصبح منافساً ويشكل خطورة كبيرة على التعليم الحكومي وحكراً على المقتدرين مادياً، وعدم وجود قواعد حساب مالية موحدة في تحديد الرسوم التي يتقاضاها التعليم الخاص، كذلك توحيد المناهج في التعليم الخاص بما يتوافق مع التعليم الحكومي مع التركيز العالي على تعليم اللغات الأجنبية بالأساليب الحديثة، وقلة تقنيات أجهزة التعليم الحديثة المتطورة ووسائل الإيضاح مقارنة مع ما يتقاضاه التعليم من رسوم ومبالغ مادية عالية.
واستناداً إلى النتائج التي توصلت إليها الدراسة الميدانية، وضعت عدداً من المقترحات والتوصيات برؤى إستراتيجية، ونصت الإصلاحات والضوابط على إعادة النظر في منظومة التعليم العام ما قبل الجامعي بشقيه الحكومي والخاص، مع تأكيد أن يكون التعليم الخاص رديفاً ومكملاً للتعليم الحكومي وليس منافساً له أو بديلاً منه، ووضع معايير محددة لاختبار وانتقاء المعلمين والمدرسين على أساس القدرة والكفاءة والاختصاص، وتحديد أماكن عملهم في المدارس القريبة من مناطق سكنهم، مع إعادة النظر في مناهج التعليم التربوي ما قبل الجامعي لتتناسب وتتوافق مع الاختصاصات في التعليم الجامعي ومتطلبات الوعي الثقافي والفكري والانتماء الوطني واحتياجات سوق العمل، والعمل بإرادة حقيقية على رفع الرواتب والأجور (الحكمية + التعويضات+ الحوافز الإيجابية) للكادر التعليمي في التعليم الحكومي، حرصاً على حياة كريمة للمعلم، وللحد من هجرة الكفاءات والخبرات العلمية خارج منظومة التعليم.
ومن المقترحات أيضاً، العمل بعقلية علمية على دمج التكنولوجيا الحديثة والمتطورة وأدواتها في العملية التعليمية، وتفعيل الرقابة الإدارية والمالية للحد من حالات الفساد الإداري والمالي في منظومة التعليم، وتفعيل التواصل بين إدارات المدارس وأهالي التلاميذ والطلاب من خلال تقارير شهرية عن مستوياتهم التربوية والتعليمية والأخلاقية الحقيقية، إضافة إلى تفعيل اللقاءات الشهرية مع أهالي الطلاب، والعمل على تطبيق الإدارة الإلكترونية في العملية التربوية والتعليمية للتقليل من حالات الهدر المادي والمالي، وتوفير مستلزمات التعليم من مدارس متخصصة ومخابر وكهرباء ومياه ونظافة والصحة العامة، مع التشديد على الالتزام والضبط السلوكي لجميع العاملين في منظومة التعليم، وانتقاء الإدارات المدرسية والتوجيهية وفق معايير الكفاءة والقدرة الإدارية، وتفويض الإدارات المدرسية والمعلمين بصلاحيات تقويم الانحرافات في السلوك التعليمي والتربوي والأخلاقي عند المعلمين والمدرسين والتلاميذ والطلبة مع تفعيل دور الرقابة لضمان حسن استخدامها بالتشاركية مع الأهالي.
وتضمنت المقترحات أيضاً الاهتمام بتطبيق قواعد السلامة العامة والخدمات الصحية، والعمل على الحد من ظاهرة التسرب في التعليم وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي من خلال توفير بيئة واعية تعليمياً وثقافياً.