اقتصاد

من هو «المتسوق السري»؟ … غصن: أداة لرصد الواقع وتقييم الخدمات ويجب تطبيقها في سورية بسبب ضعف مديريات الرقابة الداخلية

| جلنار العلي

عرّف الإعلامي والخبير الاقتصادي زياد غصن مفهوم العميل السري (المتسوق السري) الذي يستخدم في الكثير من الدول بأنه خدمة يراد منها تقييم أداء المؤسسات والشركات ومستوى ما تقدمه من خدمات وسلع وفقاً لمروحة واسعة من المعايير والعناصر، لافتاً إلى أن تطبيق هذه الخدمة يوفر مجموعة واسعة من البيانات والمعلومات التي يتم الاستناد إليها في وضع السياسات والإجراءات، واتخاذ القرارات الداعمة لحضور أي مؤسسة.

واعتبر غصن خلال محاضرة ألقاها بعنوان (المتسوق السري) برعاية وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك محسن عبد الكريم علي، واستضافة من جمعية حقي، أن أهمية هذه الخدمة بكونها أداة قياس موضوعية وحيادية تنطلق من هدف واحد هو رصد الواقع موثقاً بمجموعة من الأدلة والمشاهدات الحية، ومساعدة المؤسسات والشركات على زيادة قدرتها التنافسية في الأسواق عبر الاهتمام برفع مستوى رضا العملاء والزبائن، علماً أنه يمكن اللجوء إلى هذه الخدمة في جميع الأوقات والظروف، على اعتبار أن كبرى الشركات والمؤسسات الناجحة ترغب بالمحافظة على نجاحها وثقة المستهلكين والزبائن بخدماتها، كما أن الشركات التي تعاني من نقاط ضعف ومؤشرات غير مرضية تسعى إلى تقييم الواقع، وفقاً لنماذج عملية من التقييم، وليس بناء على كتب ومذكرات مكتبية تمتزج فيها العوامل الشخصية بنسبة كبيرة.

وفي السياق، أشار غصن إلى أن هذه الخدمة تهتم بالجانب الإداري كدوام الموظفين والتزامهم بالتعليمات والقواعد المتعلقة بالعمل وعدد الموظفين قياساً لعدد المراجعين وتعاملهم في المؤسسة، إضافة إلى الجانب اللوجستي الذي يقصد به المكان المتاح لتقديم خدمات التصوير والطوابع وغيرها، والإرشادات والاستعلامات وصندوق الشكاوى ومعالجتها ونظافة المكان، كما أنها تعنى بالجانب التسويقي من إجراءات الحصول على الخدمة أو السلعة والوقت اللازم لذلك والرسوم وطرق تقديم الخدمة.

ولفت إلى أن عمل العميل أو المتسوق السري ليس ارتجالياً أو مزاجياً، فهو ينطلق من مجموعة مبادئ تشكل ضمانة لدقة عمله وسلامة ذلك العمل. منها تنفيذ عدة زيارات للمؤسسة أو الشركة المستهدفة بالتقييم ووضع استمارة مسبقة من الجهة طالبة التقييم تحدد ما يجب على العميل السري الاهتمام به وتقييمه، وإرفاق تقاريره بمجموعة من الأدلة والبراهين لتوثيق عمله، وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات.

وحول آلية اختيار العميل، بيّن غصن أنه على مستوى الدول المتقدمة هناك شركات تتولى تقديم هذه الخدمة، وهي تقوم بانتقاء العملاء السريين وتدريبهم وتأهيلهم وفق قواعد صارمة تحفظ سرية العمل وتنفيذه بما يعكس الحيادية والموضوعية، أما في بعض الدول الأخرى فتوظّف شركات ومؤسسات أشخاصاً لهذه المهمة ولمدة محددة، ثم يجري استبدالهم بآخرين ضماناً لسرية هوية هؤلاء الأشخاص وضماناً لدقة التقارير التي يقدمونها، مشيراً إلى أن هذه التجربة موجودة في الأردن والسعودية وغيرهما من دول المنطقة، إضافة إلى أن الكثير من الشركات والمؤسسات العالمية التي تتفرع في بعض الدول الأخرى وفي سورية سابقاً، كانت تعتمد على العميل السري في تقييم أداء الشركات الفرعية المؤسسة خارج دولة المقر الرئيس.

وفي سياق آخر، حاول غصن إسقاط هذه الخدمة على التجربة السورية، وأكد أن أهمية وضرورة البدء باعتماد هذه الأداة تأتي من ضعف وسوء الخدمات والسلع المقدمة للمواطنين في القطاعين العام والخاص وزيادة عدد الحوادث التي أفضى بعضها إلى موت أشخاص وخاصة في المشافي، وانتشار الفساد والمحسوبيات في تقديم الخدمات والسلع والحصول عليها، ناهيك بضعف دوائر ومديريات الرقابة الداخلية التي من المفترض أن تتابع نقاط الضعف والفساد ومعالجتها قانونياً، إضافة إلى إنكار الإدارات لمظاهر الفساد والمحسوبيات وعدم اعترافها بالواقع وغياب التقييم القائم على معايير علمية وموضوعية.

وفنّد غصن المجالات التي يمكن أن تكون فيها إمكانية لعمل المتسوق السري، منها المنشآت السياحية بمختلف أنواعها وأشكالها وملكيتها (فنادق ومطاعم ومقاه سياحية وشعبية)، والمستشفيات العامة والخاصة والمراكز والعيادات الصحية المنتشرة في المدن والأرياف والمنشآت التعليمية الخاصة والعامة (قبل التعليم الثانوي وما بعده)، والمولات ومراكز التسوق وبيع التجزئة وأسواق الهال في المحافظات ومراكز تقديم الخدمات المرتبطة بقطاعي الكهرباء والمياه والاتصالات، إضافة إلى دوائر الهجرة والجوازات والمخافر (جوازات سفر وتأشيرات سفر وإقامات للعرب والأجانب ومعالجة شكاوى المواطنين)، والمعامل والمنشآت الصناعية، ومراكز الخدمة الاجتماعية والجمعيات الأهلية والمصارف والبنوك وشركات التأمين والوساطة المالية وغيرها، كما يمكن تطبيقها في مديريات المالية وهيئة الضرائب والرسوم.

وأوضح غصن أنه توجد ثلاثة مستويات لعمل المتسوق أو العميل السري في سورية، الأول يشمل العملاء المكلفين بمراقبة أداء الوزارات والهيئات العليا، وهذا يفرض نوعية مختلفة من البيانات والمعلومات المطلوب جمعها، وتالياً حصر مرجعية هؤلاء العملاء بجهة وصائية عليا ضماناً لنزاهة العمل واستقلاليته، أما المستوى الثاني فيشمل العملاء المكلفين بمراقبة أداء المؤسسات والشركات والمنشآت والمراكز والمديريات التابعة للوزارات والهيئات، والثالث معني بالعملاء المسؤولين عن أداء الشركات والمؤسسات الخاصة وهؤلاء يتم تكليفهم وتحديد طريقة عملهم والمعلومات المراد جمعها من إدارات تلك الجهات.

ويرى غصن أنه يمكن البدء بتنفيذ هذه الخدمة على بعض القطاعات ومن ثم نشرها كثقافة مجتمعية ومؤسساتية غايتها ليس تصيد الأخطاء والثغرات، وإنما تقديم خدمة وسلعة تلبي طموح المواطن وتناسب دخله.

وخلال مداخلة له، بيّن عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، أن المتسوق السري يجب أنه تكون لديه خلفية معينة لتقييم أي خدمة أو سلعة، ويتم الاعتماد عليه في دول الخارج من الشركات والحكومات أيضاً لتقييم أداء الموظفين، معتبراً أن الأهم في هذه الأداة ليس التقييم وإنما المعايير التي سيتم العمل بها في مرحلة ما بعد التقييم والتي يجب أن تكون محددة لمعرفة فيما إذا كان التقييم منحازاً لجهة معينة أم لا، أما على مستوى الدول العربية فهناك عدة معوقات إذا تم تجاوزها فيمكن إدخال خدمة المتسوق السري الذي تكون له وظيفة محددة وكفاءة في عدة أماكن.

وعن إمكانية تطبيقها في الأماكن الحكومية، اعتبر الحلاق أن الموظف الحكومي يعمل بحسب حجم الأجر الذي يتقاضاه ولا يقبل بمطالبته بما يفوق ما يجب تقديمه بمثل راتب كهذا، لذا يجب إصلاح الجانب المتعلق بالأجور لإمكانية تقييم الأداء.

رئيس مجلس إدارة جمعية حقي الدكتور ماهر ريا، أكد أن الجمعية تشكّل حالياً نواة فريق يسمى (المتسوق السري) مؤلف من 16 شخصاً مدعوماً من الناحية المادية لتقديم خدماته للوزارات الحكومية، بهدف الوصول إلى كل الجهات إما بشكل مجاني أو مأجور، علماً أن هذه التجربة هي الأولى من نوعها في سورية، ليكون المستفيد الأول هو المواطن وليس الحكومة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن