من دفتر الوطن

ابتسامتان تاريخيتان

| حسن م. يوسف

من يمشي في شوارعنا، بما في ذلك شوارع الأحياء الغنية، قد يظن أننا جميعاً قد أصبحنا من (بني عبس الكرام)! إذ يندر أن تسمع ضحكة، أو ترى شخصاً مبتسماً، وهذه ظاهرة تدعو للقلق حقاً! فأجدادنا يقولون: «إن اليوم الذي لا نضحك فيه هو يوم لم نعشه، أو هو يوم منقوص من أعمارنا» وقد انتحل عبقري السينما الصامتة شارلي شابلن هذه الفكرة إذ قال «يوم بلا ضحك هو يوم ضائع». والحقيقة أن الضحك هو إحدى قوى الإنسان الفطرية التي تجعل الحياة مستساغة رغم كل ما يعتورها من الهموم والمآسي. لذا سأروي لكم قصتين باسمتين من تاريخ الدبلوماسية السورية.

بطل القصة الأولى هو الشاعر والأديب عبد المطلب الأمين ابن (المجتهد الأكبر محسن الأمين) الذي سُمِّيَ باسمه حي الأمين الدمشقي، والذي تبرع بالأرض التي أقيم عليها مستشفى المجتهد فسمي باسمه.

عقب تخرج عبد المطلب الأمين من كلية الحقوق بجامعة دمشق تم تعيينه دبلوماسياً في السفارة السورية في موسكو، وبعد الحرب العالمية الثانية، رُقَّي لمنصب قائم بالأعمال هناك. بعد ثلاثة أشهر من تعيينه طلب أن يلتقي شخصياً بـ«مولوتوف» وزير خارجية الاتحاد السوفييتي الذي كان يلقب بـ«الرجل ذي المطرقة الحديدية».

تجاهلت وزارة الخارجية السوفييتية طلب السيد عبد المطلب مراراً، وأمام إلحاحه المتواصل وافق «مولوتوف» المشهور بوجهه الناشف على المقابلة، سأل عبد المطلب: «ماذا تريد؟

ابتسم عبد المطلب وقال: «جئت باسم حكومة الجمهورية العربية السورية وشعبها كي أطمئن حكومتكم وشعبها، بأنه ليست لدينا أيّة مطامع استعمارية في الاتحاد السوفييتي.

انفجر مولوتوف بالضحك حتى كاد يغمى عليه. ولما سأل عبد المطلب عن قصته أجابه: إذا كنت واثقاً أنه لا مطامع استعمارية لنا في بلادكم فلماذا تراقبني مخابراتكم ولا تترك لي فرصة للتنفس! وهكذا رفعت الرقابة عن السيد عبد المطلب الأمين وشهد ذلك اليوم ولادة صداقة عميقة بين الرجلين.

بطل القصة الثانية هو الشاعر عمر أبو ريشة الملقب بـ(شاعر الكبرياء العربي) ولد عمر في منبج عام 1910، والده هو الشيخ شافع أبو ريشة قائم مقام منبج والخليل ووالدته هي خيرة اللـه اليشرطي الفلسطينية من عكا. درس في حلب وبيروت وأرسله والده إلى لندن لدراسة الكيمياء لكنه لم يكمل تحصيله الجامعي. في الفترة ما بين 1949- 1970عين سفيراً لسورية في البرازيل والأرجنتين والهند والنمسا وفي مطلع ستينيات القرن الماضي تمّ تعيينه سفيراً لسورية في أميركا. عند قبول أوراق اعتماده قال له كندي، كما لو أنه لا يعرف سورية، «حدّثنا عن السوريين وعرّفنا بهم أكثر»، فما كان من عمر أبو ريشة إلا أن أجابه قائلاً: «فخامَة الرّئيس، جدّنا السوري (يسوع المسيح) هو ربّكم يا سيّدي». وقد كانت تلك العبارة بداية صداقة شخصية بين الرجلين، ويقال إن كندي قال له في إحدى الجلسات: «أنت مبدع يا عمر، ولو كنتَ أميركياً لعيّنتك مستشاراً خاصاً لي»، فأجابه أبو ريشة مبتسماً «فخامة الرئيس، لو كنت أميركياً لكنتُ الآن أجلس على كرسيكَ في البيت الأبيض».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن