قضايا وآراء

إخفاق أممي جديد

| عبد المنعم علي عيسى

لا تنفصل مسألة «المساعدات الأممية»، التي تقدمها منظمات وهيئات دولية عديدة، عن المسألة السياسية في سورية، فكلاهما مرتبط بعضه ببعض عبر سلسلة تبدو شديدة التعقيد من التداخلات التي تراكمت في جعاب أزمة كانت تمثل من دون شك الأعقد مما اعترض المجتمع الدولي منذ عقود قبيل أن تستطيع نظيرتها الأوكرانية خطف «النجومية» منها مع حلول شهر شباط من العام المنصرم، لكنها، أي هذه الأزمة الأخيرة، لم تستطع تهميش الأولى على الرغم من حال الاستقطاب الدولي الذي فرضته، إذ ربما كان من شأن هذا الفعل الأخير أن رمى بتداعياته على ملفات الأزمة السورية كلها، وهو إذ يزيد من حدة تعقيدها لكنه أيضاً يزيد من شدة «توهجها» الأمر الذي يجعل من ملفاتها دائماً على «سطوح المكاتب» وليس في «أدراجها»، وإن كان الفعل لا يعطي نتائج تذكر في ظل التناقض القائم في طريقة التعاطي مع تلك الملفات ما بين معسكرين أولاهما يضم الولايات المتحدة ومعها لفيف من الحلفاء واسع، وثانيهما روسي وهو يعتد بمروحة لا بأس بها من الأصدقاء مع الإشارة إلى أن تبلوراً في طبيعة العلاقات القائمة ما بين أطراف هذا المعسكر الأخير لم يحصل بعد ما يجعل «أدوات نقل الحركة» عنده أقل سلاسة في أدائها قياساً لنظيرتها عند المعسكر الأول.

لم يفلح مجلس الأمن بجلسته التي عقدها يوم الثلاثاء الماضي في الخروج بتوافق حول ملف «المساعدات الإنسانية» التي كان قد أخفق فيها أيضاً عبر جلسة 11 تموز الجاري التي شهدت تبادلاً، روسياً- أميركياً، لشتى الاتهامات في هذا السياق، ففي الوقت الذي شن فيه ممثلو فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة هجوماً لاذعاً على الدور الروسي متهمين من خلاله موسكو بـ«إيقاف المساعدات عن أكثر من 4 ملايين سوري»، رد مندوب روسيا الدائم فاسيلي نيبيزيا بالدعوة إلى «عدم تسييس ملف المساعدات الإنسانية إلى سورية»، وقال: إن ذلك «يجب أن يرتبط بمشاريع التعافي المبكر ودعم المشاريع الإنسانية المستدامة» متهماً في الآن ذاته «الغرب بالالتفاف على ما جرى التوافق حوله خلال التمديد الأخير لإدخال المساعدات الإنسانية شهر كانون ثاني الماضي».

من المؤكد أن الفشل الأممي يومي 11 و25 تموز تجاه تحقيق توافق يبدو أن السوريين بأمس الحاجة إليه في ظل ظروف وضعت بهم بين قطبي رحى لا مناص من الارتهان لدورانهما، هذا الفشل مرده إلى تباين الرؤى والمشاريع والمرامي، فإصرار الولايات المتحدة، ومن ورائها الغرب، على الاستمرار بالآليات المعمول بها منذ العام 2014، العام الذي شهد خروج إدلب كلياً عن سيطرة الدولة السورية وخروج مناطق شرق الفرات عن سيطرتها جزئياً، يهدف بالدرجة الأولى إلى تثبيت الأوضاع التي فرضتها تلك المرحلة ويهدف أيضاً إلى تكريس وضعية خطوط التماس التي أضحت أشبه بـ«الحدود» التي وإن كان قوامها لا يزال «طرياً»، إلا أن الرهان هنا أن تستطيع «أفران الصهر» التي تستثمر في عامل الوقت تقسيتها، فيما السهام الأبعد مدى عن هذا الأخير تصوب نحو دائرة هي أشد خطورة، فالجيل الذي كان بعمر 5 – 10 سنوات حين خروج تلك المناطق عن السيطرة السورية بات اليوم في مرحلة تفتح الوعي، أو هو قاربها، وما يجب أن يتفتح عليه وعي هؤلاء هو أن الغرب كان يخوض المعركة تلو المعركة لإيصال «المساعدات» إليهم، في الوقت الذي كانت دولتهم فيه تعمل على منع وصول تلك «المساعدات» إليهم، مثل ترسيخ كهذا يمكن له أن ينقل حالة التقسيم من «الأمر الواقع» إلى حالة «الرغبة» فيه، في حين أن النظرة الروسية، التي تتلاقى فيها مع دمشق، ترى وجوب تجنب «الحالة الإسعافية» والتفكير بحلول مستدامة من شأنها أن تسهم في دفع مسار التسوية السياسية عبر دعم مشاريع «التعافي المبكر» اللازمة لعودة اللاجئين الذين من الصعب عودتهم من دون خطوات تمهيدية يمكن لتلك المشاريع أن تؤسس لها.

كحل وسط طرحت دمشق على الأمم المتحدة تمديد الترخيص الذي منحته لإدخال المساعدات عبر معبر «باب الهوى» في أعقاب زلزال الـ 6 من شباط والذي جرى تمديده يوم الـ 13 من حزيران الماضي لثلاثة أشهر ستنتهي في الـ 13 من آب المقبل، مع الإشارة إلى أن دمشق اشترطت، وفي الأمر ما يدعو إليه، لكي يسري التمديد لستة أشهر مقبلة، لذلك الترخيص، أن تكون المساعدات خاضعة لمراقبة منظمتي «الهلال الأحمر» و«الصليب الأحمر الدولي» بما يؤكد سيادتها على أرضها أولاً، ثم يضمن عدم تحول تلك المساعدات إلى ما يشبه «شرايين» تستمد منها التنظيمات المصنفة لديها على لوائح الإرهاب زخماً يكاد لا ينقصها، ثانياً.

رفضت واشنطن، التي أكدت مراراً أن لكل خطوة ثمن، الطرح السوري في حين ذهبت لندن نحو إيجاد بدائل في حال ظل الاستعصاء الراهن قائماً، والبدائل البريطانية المطروحة تقول بدعم منظمات تنشط في الشمال الغربي من البلاد حيث تقوم الخطة البريطانية على زيادة حجم المشروعات التي تنفذها تلك المنظمات وثيقة الصلة بها.

في ظل هذا الاستعصاء، وتعثر البدائل المطروحة، بدا أن مناسيب القلق عند الأردن، ولبنان، مرشحة للارتفاع، خصوصاً في ظل تقارير عن انخفاض الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة للاجئين على أراضيهما ليصل هذا العام إلى 6.8 بالمئة من كامل الدعم الذي أقر في العام 2013 والذي وصل ذروته العام 2016 مسجلاً رقماً قريباً من 64 بالمئة من هذا الأخير.

نشاط عمّان المدعوم عربياً، ولربما يحظى بغطاء دولي لا بأس به، لا يطول فقط ملف المساعدات واستعصاؤه بل يتعداه إلى ملف الحدود ومشاكل التهريب، ومن الراجح أن تعقد «اللجنة الخاصة» التي قامت جامعة الدول العربية بتشكيلها بعيد قمة جدة في شهر أيار الماضي اجتماعها الأول منتصف شهر آب المقبل وفقاً لما ذكرته جريدة «الوطن» السورية، الأمر الذي يعني انتقال عمل الجامعة من «المضمار» السياسي إلى «المضمار» العملي، «ما يشير إلى إمكان تسريع انخراط الجامعة، في مسار الحل السياسي الذي يعاني جموداً بفعل اعتبارات عدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن