من دفتر الوطن

الفجوة.. والحلم المستحيل!

| عصام داري

كانا صديقين منذ الطفولة، دخلا المدرسة نفسها في وقت واحد، حصلا على الشهادة الابتدائية في العام نفسه، ثم التحقا بالمدرسة نفسها في المرحلة الإعدادية، ونجحا في العام نفسه أيضاً، وهنا ظهرت الفجوة التي ستتسع بعد ذلك بشكل كبير.

الفجوة كانت في النجاح في ذلك العام، فالأول حصل على المرتبة الأولى على مستوى المحافظة، أما الثاني فحصل على المرتبة الأخيرة على مستوى البلد وليس على مستوى المحافظة.

الشيء الإيجابي في الحكاية أنهما حافظا على الصداقة، لكن الفجوة ازدادت عندما نجح الأول وحصل على الشهادة الثانوية بعلامات جيدة والتحق بالجامعة في حين رسب الثاني، بل إنه جرب الحصول على الشهادة الثانوية من دون جدوى، وبعد الرسوب للمرة السابعة! صرف النظر عن الدراسة نهائياً.

يجب أن نشير إلى أن الراسب كان يعمل في العديد من الأعمال الحرة خلال الدراسة، لذا لم يجد صعوبة في الانخراط في سوق العمل وتحقيق نجاحات ملموسة ما جعله يجني المال بسرعة، «وحلال على الشاطر».

أما الشاطر الآخر فقد تخرج في الجامعة وتقدم إلى وظيفة حكومية محترمة بحيث كان راتبه يكفيه كي يعيش عيشة معقولة ومقبولة، لكنه لم يكن قادراً على توفير بضعة قروش تحسباً لغدر الزمن، في حين كان صديقة يجمع الذهب والفضة والبنكنوت!.

اشترى صديقه سيارة جميلة صار يتباهى بها في الحارة في حين أن الفجوة تزداد كثيراً، فالموظف استطاع بعد نضال وجهد هائل أن يشتري سيارة متواضعة بعد اثنين وثلاثين عاماً عداً ونقداً!.

تزوج صديقة واشترى بيتاً في منطقة محترمة في المدينة، وبعد سنوات قليلة اشترى بيتاً جديداً، وزوجة جديدة، في حين تأخر الموظف في الزواج وكاد «يفوته القطار» لولا أنه اجتمع ببنت الحلال التي ترضى بوضعه المادي الذي كان يتردى شيئاً فشيئاً.

هذه الفجوة ليست بين هذين الصديقين فقط، إنها فجوة هائلة بين طبقات مجتمعنا التي تزداد اتساعاً بحيث صار ردمها شبه مستحيل، إن لم نقل هو المستحيل عينه.

لكن الفجوة لا تتوقف عند الداخل فقط، بل الفجوة الهائلة هي بين البلد ودول الجوار وبالتالي دول العالم، وهي تشمل جميع مناحي الحياة.

على مستوى الصحافة سأذكر مثالاً واحداً: فمنذ سنوات اكتشف زميل صحفي (الآن هو من الأساتذة) اكتشافاً أثرياً صغيراً فصوره وكتب تحقيقاً عنه ومن ثم نشره في مجلة سورية باللغتين العربية والإنكليزية، وبعد فترة قدم إلى دمشق صحفي أجنبي فعرض عليه المجلة التي نشرت الموضوع، فأعجب جداً به وسأله: كم أعطوك على هذا الموضع الهائل؟

خجل الزميل أن يقول له أنه تقاضى ثلاثمئة ليرة، فاضطر للكذب وأجابه:خمسة آلاف ليرة! فقال: فقط؟.. لو أنني نشرت موضوعاً كهذا في بلدي لجعلني التعويض المادي أعيش لمدة عام كامل من دون عمل، بل سأرفّه نفسي طوال ذلك العام.

طبعاً أنا لا أحرّض الناس على نبذ الدراسة والتوجه إلى الأعمال الحرة، فالعلم مطلوب ولو في اليابان والقارة الأميركية الجنوبية والقطبين الشمالي والجنوبي وليس في الصين فقط، لكننا نحتاج إلى عقول متفتحة تعمل بجهد وصدق في سبيل ردم الفجوة في الداخل ومن ثم مع الخارج، ولا أظن أننا قريبون من تحقيق هذا الحلم المستحيل!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن