اقتصاد

«ستيفنز» الذي أجبرك على تغيير لمبة غرفتك!

| د. سعـد بساطــة

ببداية الأزمة السورية حطت بنا الرحال في مصر؛ وأذكر كنا في عـشاء مع أشقاء مصريين تحدثت إحداهـن عـن شرائها بيجامات نوم لأطفالها أثناء رحلة لسورية؛ وقالت بدهشة ممزوجة بالإعـجاب «منتجات شعـبية؛ مع عـدة سنوات من الغسيل واللبس؛ لم ينقطع زر أو يفتق كم!»؛ شعـرت عـندها بفخر من يحصل عـلى جائزة نوبل؛ لسماعـي هذا المديح لصناعـة بلدي!

تذكرت هذا الموقف؛ لدى رؤيتي لفيلم كرتون يبدأ باحتراق مصباح النور بغـرفة تلميذ أثناء تحضيره لامتحان؛ ما جعـله يرغـي ويزبد؛ ولكن شخصاً شرح له ضرورة أن يحترق المصباح (لمصلحة تسويق منتجات مصنع المصابيح) واستخدم تعـبير «التقادم السلعـي» لوصف هذه الظاهرة؛ فوجدت من المناسب أن أستفيض بشرحها!

التقادم السلعـي Planned obsolescence‏ هو بالتعـريف سياسة تصميم سلع ومنتجات ذات عمر محدود عن قصد وبتخطيط، ومنطق هذه الاستراتيجية هو زيادة حجم المبيعات على المدى الطويل عن طريق تقليل الوقت بين عمليات الشراء المتكررة (يشار إليها باسم «تقصير دورة الاستبدال»). أي إنه تقصير متعمد لعمر المنتج لإجبار المستهلكين على استبداله بشراء واحد جديد.

وصل تصميم السيارات في الولايات المتحدة في عام 1924 إلى نقطة تحول عندما بدأ سوق السيارات الوطني الأميركي يصل إلى مرحلة الإشباع؛ وللحفاظ على المبيعات اقترح رئيس جنرال موتورز ألفريد سلون تغيير التصميمات سنوياً للطراز لإقناع مالكي السيارات أنهم بحاجة لشراء بديل جديد كل عام؛ وكان لتلك الاستراتيجية تأثيرات بعيدة المدى في أعمال السيارات ومجال تصميم المنتجات، وفي النهاية الاقتصاد كله.

تعود أصول عبارة التقادم المخطط له لعام 1932 مع ملاحظات برنارد لندن حيث كان جوهر خطة لندن هو أن تفرض الحكومة تقادماً قانونياً على المواد الاستهلاكية، لتحفيز الاستهلاك وإدامته. وتم تعميم العبارة لأول مرة في عام 1954 من الصناعي الأميركي بروكس ستيفنز حيث طرح بمحاضرته بمؤتمر إعلاني في مينابولس عام 1954 ودون أن يفكر فيه كثيراً، استخدم المصطلح كعنوان لحديثه. من تلك النقطة أصبح «التقادم المخطط له» شعاراً لستيفنز. وفقاً لتعريفه، كان التقادم المخطط له هو «غرس الرغبة في امتلاك المشتري لشيء أحدث قليلاً، أفضل قليلاً، أسرع قليلاً مما هو ضروري».

سخرت شركة فولكس فاجن من هذا المصطلح؛ وفي عام 1959 عـرضت إعلاناً «لا نؤمن بالتقادم ولا نغير السيارة من أجل التغيير» وأظهر الإعلان صفحة فارغة تقريباً مع شعار «لا جدوى من عرض فولكس فاجن 1962، لا تزال كما هي»!

سيؤدي استخدام البلاستيك الرخيص بدلاً من المعدن في البراغي والمكونات التي تتحمل الضغط إلى زيادة السرعة التي يصبح بها المنتج غير صالح للعمل من خلال الاستخدام العادي ويجعله عرضة للكسر حتى من الأشكال البسيطة للاستخدام الطبيعي؛ على سبيل المثال، التروس البلاستيكية الصغيرة الهشة في الألعاب معرضة بشدة للتلف إذا تم اللعب بها لفترات، ما قد يؤدي بسهولة إلى تدمير الوظائف الرئيسية للعبة وإجبار شراء بديل. يرجع متوسط العمر المتوقع للهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية المحمولة إلى الاستخدام المستمر والقطع الهشة والقدرة على إتلافها بسهولة.

البراغي الخماسية المستخدمة في (آيفون 6 إس) أي الأجهزة الأحدث هو محاولة لمنع المستهلك من إصلاح الجهاز بأنفسهم.

أفضل الأمثلة لهذا التصميم هي الإصدارات التي تستخدم مرة واحدة من السلع المعمرة تقليدياً، مثل الكاميرات التي تستخدم لمرة واحدة، حيث يلزم الزبون بشراء منتج جديد بالكامل بعد استخدامه مرة واحدة. غالباً ما تصمم هذه المنتجات لتكون مستحيلة الصيانة على سبيل المثال، قد تحتوي الساعة الرقمية الرخيصة على غلاف مختوم الإغلاق من المصنع، مع عدم وجود قدرة مصممة للمستخدم للوصول إلى الداخل دون تدمير الساعة بالكامل. يجعل المصنعون قطع الغيار إما غير متوافرة أو باهظة الثمن حيث يجعل إصلاح المنتج غير اقتصادي. على سبيل المثال، تشتمل طابعات نفث الحبر التي تصنعها شركة كانون على رأس طباعة يفشل في النهاية؛ والتكلفة العالية للاستبدال تجبر المالك على رمي الجهاز بأكمله.

ملاحظة للمستهلك في النهاية: هي محاولة لتقديم مساهمة في إحداث تغـيير، وإن لم نقدم مساهمة أو لم نستطع، فإن العملية الوحيدة المتاحة لإعطاء وهم التغيير هي «الطراز!».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن