اقتصاد

تعلم الرشاقة من دون معلم

| فراس القاضي

صار يلزم السوريين مفكّرة لتدوين مصطلحات التنمية الإدارية، ومعجم لتفسيرها: (المسار الزمني، حقيبة الخبرات، السماح لمن انتهى مسارهم الزمني بالانتقال إلى وظيفة جديدة بمسار زمني جديد) ولا أدري كيف استقبلوا منذ أيام المصطلح الجديد «مؤسسات رشيقة»، الذي لم يأخذ حقه في التسويق، وكان يجب أن يرافق الإعلان عنه موسيقا فيلم «مهمة مستحيلة mission impossible».

ما علينا، فما يهمنا كمواطنين هو النتائج، مع أننا أخذنا فكرة عنها من تصريح السيدة الوزيرة لإحدى وسائل الإعلام الأجنبية العاملة في سورية، بأن الدول التي وضعت إستراتيجية للإصلاح الإداري (لم تكن تهدف لتحقيق الإصلاح خلال عام أو عامين، وإنما وضعتها لمدة سبع سنوات أولى، وسبع ثانية، وسبع ثالثة، وهي السبع الثِمان)، وبدورنا كمواطنين نعرف (البير وغطاه)، تلقائياً سنضيف إليها سبعاً رابعة وثبع خامثة، (الثاء هنا بسبب التقدم في العمر وفقدان الأسنان ريثما تظهر النتائج).

ما علينا، أولاً لا بد من توضيح مصطلح «المؤسسات الرشيقة» للأخ المواطن ليعلم عما نتحدث، وكي لا نقع في فخ تصدير الخطاب بلغة نخبوية لا يفهمها إلا الذي قرأها.. وأحياناً حتى هو لا يفهم ما يقرأ.

ما عيلنا كمان مرة، سألنا الذكاء الاصطناعي: ما معنى «مؤسسات رشيقة»؟ فأجاب بالتالي حرفياً: (المؤسسة الرشيقة هي مصطلح يُستخدم عادة في سياق إدارة الأعمال وتحسين العمليات. وتعني المؤسسة الرشيقة أو «Lean Enterprise» بناء نظام تشغيلي فعال يهدف إلى تحقيق الكفاءة والتحسين المستمر بطريقة تركز على تقليل الهدر والإسراف وتحسين جودة المنتجات أو الخدمات. وتعتمد المؤسسة الرشيقة على مجموعة من المبادئ والأدوات مثل إدارة سلاسل الإمداد، وتنظيم الإنتاج بناءً على الطلب، والتحسين المستمر للعمليات لتحقيق أفضل النتائج بأقل جهد وموارد ممكنة). وامتنعنا عن سؤاله عن رشاقة المؤسسات في سورية، خشية على مشاعره، وتوفيراً لوقت استماعنا لأغنية: (عمرك شفت كيبورد عم يبكي؟).

ما علينا مرة ثالثة، الرشاقة التي نريدها نحن ونفهما كمعشر مواطنين هي تخفيف الورقيات، أتمتة العمل، تخفيض عدد تنقلاتنا بين المكاتب والطوابق والمباني، سرعة إجراء المعاملة كاملة، تخفيف احتكاكنا مع الموظف، وصولاً إلى دمج المشروع مع مشروع الحكومة الإلكترونية، فنقوم بإجراء المعاملة من دون الحاجة للخروج من المنزل، أي عبر الإنترنت، لكن صراحة، ربما الخطوة الأخيرة تحتاج إلى زمن طويل، أي ليست في السبع الأولى، ولا في الثانية، ولا في الثالثة (أي السبعة الثِمان)، وإن حدثت بعض المشكلات التقنية خلال الرابعة – وهو أمر ممكن الحصول ويحدث في كل دول العالم – فمن المؤكد أن الأمر سيتم في الخامسة، أي بإمكاني طمأنتك بأنه من المستحيل أن يطول الأمر إلى السبع السادسة، لأنك ستكون قد مت حتماً.

ما علينا مرة رابعة، الآن، سأعرض للأخ المواطن تجربتي الشخصية وتجربة عدد كبير من الناس مع «الرشاقة» المؤسساتية بعد ست سنوات وشهر وأحد عشر يوماً من انطلاق مشروع الإصلاح الإداري (20 حزيران 2017)، أي في السبع الأولى التي يبدو جلياً أنها (غير ثِمان بالمرة).

بعد سكنك في المنزل ذاته لمدة سبع سنوات، وتجديدك لعقد الإيجار كل ستة أشهر أو كل عام، ستتوقع أن معلوماتك كاملة محفوظة لدى مؤسسة الدولة التي عليك مراجعتها لتجديد عقد الإيجار من جديد، وأن الأمر لن يتطلب أكثر من ضغطة زر على جهاز الكمبيوتر لتظهر كاملة، لتفاجأ في كل مرة بأن عليك القيام بالمعاملة التي أجريتها أول مرة: تصوير بطاقتك الشخصية وبطاقات المقيمين معك، تصوير عدة صفحات من دفتر العائلة، تصوير (الإملاكية)، وكل ما سبق عليك تصوير أربع نسخ منه! والمصيبة أنهم لا يطلبونها دفعة واحدة، بل عليك الخروج من المبنى وزيارة كشك التصوير أربع مرات.

لكن قبل هذا كله، لا تنس أخي المواطن أن على مالك العقار الحصول على وثيقة (التخمين) من مديرية مالية دمشق التي قد يكون بينك وبينها مسير ثلاثة أيام على الناقة، إذ لم يخطر ببال القائمين على الموضوع أنه من الممكن استخدام البريد الإلكتروني (الإيميل) الذي ابتكره المبرمج الأميركي رايموند توملينسون عام 1971، لتخفيف كل هذا الجهد والوقت والمصروف على الناس! (يلا عادي مش حكاية)، ربما فقرة الإيميل غير واردة في السبع الأولى.

بعد ذلك تبدأ بالقفز بين الشبابيك لدرجة أنك من الممكن أن تكون وسيلة إيضاح لنشيد (قفز الأرنب هرب الأرنب)، إلى أن تصل إلى الكلمة الأعظم عند كل سوري ينجز معاملة في إحدى مؤسساتنا «الرشيقة»، وهي كلمة: «خالصين»، التي لا بد أن تكررها خلف الموظف في كل مرة تسمعها، فتقول له: «خالصين خالصين؟ فيقول لك خالصين خالصين، بعدها تشعر برغبة شديدة بمعانقة الموظفين جميعاً والإجهاش بالبكاء».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن