من دفتر الوطن

متى تهز الأرض أكتافها؟

| حسن م. يوسف

«إنذار إلى البشرية!» في مطلع ثمانينات القرن الماضي وجه اتحاد العلماء العالمي الذي أسسه الفيلسوف البريطاني برتراند راسل رسالةً بهذا العنوان إلى بني البشر، وقد تبنت منظمة اليونسكو الرسالة وأصدرتها في نشرتها الإنكليزية التي كنت أتلقاها آنذاك، فترجمتُها ونشرتُها على صفحة كاملة في جريدة (تشرين).

تنبأ اتحاد العلماء بثلاثة أخطار تهدد الحياة على الأرض، هي بإيجاز: التصحر الذي يأكل رئة الكوكب من الأشجار، وارتفاع نسبة الإشعاع، والاحتباس الحراري.

قبل أيام أرسل لي أحد الأصدقاء صورة عجيبة لرجلين ملتحيين أحدهما أصلع يرتدي فستاناً نسائياً أبيض، ومع الصورة التعليق التالي: «جامايكا ترفض استقبال السفير الأميركي الجديد وزوجته (أبو لحية) وأميركا تهدد بإغلاق السفارة.. دنيا بنت حرام وعالم مجنون».

للوهلة الأولى ظننت أن الصورة معدلة بواسطة الفوتوشوب وأن التعليق هو أحد سحبات ذلك الصديق الظريف لكن محرك البحث غوغل بدد ظني، إذ قرأت على موقع (راديو جامايكا) أن: «… وزارة الخارجية الأميركية أعربت يوم (20 تموز 2023) أنها غير راضية عن رفض حكومة جامايكا منح حصانة دبلوماسية لزوجة دبلوماسي مثليّ على وشك أن يتم تعيينه في كينجستون. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مات ميللر «إن الحكومة الأميركية قلقة من موقف حكومة جامايكا لعدم منح الأزواج من جنسٍ واحد، الحقوق والامتيازات نفسها».

صحيح أن الشذوذ الجنسي ليس بجديد في عالمنا لكنه أحد الأشياء القليلة التي يتفق معظم البشر على أن من يبتلى بها يجب أن يستتر!

بعض المجتمعات، ونحن منها، كانت تحكم بالموت على الفاعل والمفعول به، وبعضها كانت تعتبر الشذوذ نوعاً من المرض العقلي، لكن البلدان الغربية التي تقلدها معظم المجتمعات المتخلفة بدأت تشهد منذ بدايات القرن الماضي تحولات عميقة بهذا الصدد، إذ غابت عبارة «الشذوذ الجنسي» من كتب علم النفس، وتم استبدالها بعبارة «المثلية الجنسية». وفي الآونة الأخيرة تسارعت الأمور، فبعد ظاهرة المتحولين من جنس لآخر بحجة أنهم «محاصرون» في أجساد غير أجسادهم، بدأت تظهر تحولاتٌ كلٌّ منها أعجب من الأخرى، فهناك المتحولون بالإعاقة، ومثال ذلك رجل بريطاني قام بقطع يده لأنه يشعر بأنه معاق! وامرأة أميركية من ولاية كارولينا الشمالية صبت منظف التواليت على عينيها لأنها تشعر بأنها عمياء! وهناك المتحولون عرقياً مثل المرأة الأميركية البيضاء راشيل دوليزال التي غيرت مظهرها وادعت بأنها سوداء ونشطت في صفوف الملونين حتى أصبحت أحد قادة (المنظمة الوطنية للملونين)، إلى أن تم كشف حقيقة هويتها فطردت من المنظمة! الطريف في الأمر هو أن هذه السيدة ادعت أنها لم تكن تتظاهر بأنها سوداء لأنها تشعر حقاً بأنها امرأة سوداء محاصرة في جسد امرأة بيضاء.

قبل أيام شاهدت رسماً كاريكاتورياً يمثل طبيبة تفحص امرأة حبلى بالإيكو وتسأل الزوجين: «ماذا تريدان أن يكون جنس المولود؟ فتجيبها الأم: «سنتركه هو يقرر ذلك». والعجيب حقاً هو أنه ثمة توجه حقيقي في أميركا لأن تتاح فرصة من هذا النوع للأطفال!

يذكر قارئي العزيز أنه سبق لي أن كتبت في هذا الركن عن كتاب «الانقراض السادس: تاريخ غير طبيعي» للكاتبة الأميركية إليزابيث كولبرت الذي ترجم إلى العربية قبل أربعة أعوام. ترى كولبرت فيه أن الأرض قد شهدت عبر تاريخها الذي يبلغ نصف مليار سنة، خمس حالات انقراض جماعي، ثم تبشرنا بأننا نعيش اليوم حالة الانقراض السادسة التي تتم بالتدريج نتيجة الأنشطة المؤذية لبيئة كوكب الأرض، التي يمارسها بنو البشر بشكل متزايد. غير أن ممارسات الكائن البشري الرعناء لم تعد تهدد بيئة الكوكب وحسب بل باتت تهدد وجود البشر أنفسهم. فبالإضافة لوسائل الإبادة التي اخترعها الكائن ضد كوكبه ها هو يجرد من نفسه سلاحاً ضد نفسه! فمتى تهز الأرض أكتافها؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن