ثقافة وفن

لكل حضارة نمط زخرفي معين يميزها … حاج قاب لـ«الوطن»: مهنة الزخرفة العربية مظلومة ودمشق لم تكن فقط مقهى وحلّاقاً ومخبزاً ومضافة زعيم

| مصعب أيوب

الزخرفة العربية ظهرت نتيجة امتزاج الحضارة العربية بالشعوب الأخرى ووصفت بأنها لغة الفن الإسلامي، ومن أشكالها زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة والهدوء والانشراح، فهي نماذج للتزيين معقدة لكونها متداخلة ومتقاطعة وتمثل أشكالاً هندسية وزهوراً وأوراقاً وثماراً، ومن أجل الحديث عن ذلك التقت «الوطن» بمدير مركز الفن الدمشقي محمد حاج قاب.

الفن أداة جمالية

يستهل ضيفنا حديثه معبراً عن حبه لدمشق التي أثرت فيه منذ الطفولة حيث ولد وترعرع فيها وتلقى تعليمه في مدرسة المثنى بن حارثة القابعة في سوق ساروجا الدمشقي، ويتابع: «منذ الصغر كان هذا الفن يدهشني ويذهلني معتقداً أنه من الصعب إنجاز أعمال كهذه بسهولة، ولكن في حقيقة الأمر اكتشفت أن لكل فن مبدعيه ولا بد من وجود أشخاص متميزين وبارعين في هذا النوع، فالفن أداة جمالية تعطي مساحة بصرية مهمة وبالوقت ذاته تعطي تاريخ الأمة فمن خلاله يمكننا تحديد المكان الجغرافي الذي جاء منه هذا الفن أو ذاك، وجدران دمشق تتحدث عن تاريخها وهي عبارة عن عمارة وزخرفة، فالعمارة والهندسة هما أساس في حياة كل دمشقي من دون أن يشعر».

محمد حاج قاب 1977 حاصل على شهادة الفنون التطبيقية ويعمل في مهنة الزخرفة منذ قرابة ثلاثة عقود يصنع سمعة حسنة ليؤكد على موهبة لا شك بألقها، وحبه وعمله في مجال الخط العربي مهد له الطريق للعمل في الزخرفة وقد انغمس بها وانسجم في أجوائها واستحوذت على شغفه حتى تمكنت منه ولم يعد بمقدوره الاستغناء عنها، فالزخرفة حسب قاب تعج بالأنوثة المملوءة بالحركات الحلزونية والدائرية الدافئة، موضحاً أن ولوجه إلى المضمار المهني للزخرفة جاء عن طريق أحد أهل هذا الفن الذي كان مجاوراً لمنزله.

دفء وعبق

القلق عند حارس الفن الدمشقي كما يحب أن يطلق عليه منطلقه حجم المسؤولية التي تكبر وتزداد، فعدم الرضا بالقليل يحرض عنده تكثيف الجهود والمحاولات، ومن أجل ذلك فهو مواظب على السعي ويخشى حد القلق على هذه المهنة.

يسكن قاب في بيته المتواضع في حي القيمرية في دمشق القديمة ويستمد طاقته منه حيث إن الرسم والزخرفة يمدانه بعبير الحارات الدمشقية وعبقها الأصيل، يخبر «الوطن» بأن الحضارة تقاس بالعمارة وكل حضارة لها نمط زخرفي معين فعلى سبيل المثال فترة العصر الأموي لها طابع مميز من حيث العمارة والزخرفة وهو ما يمكننا أن نشاهده في فسيفساء الجامع الأموي حيث تم الخلط بين الانطباعي والتجريدي والتصويري بشكل مذهل حيث ينقلك ذاك الفن إلى عالمه ويبقي لك الحوار مفتوحاً، وكذلك الأمر خلال فترة الحضارة العباسية وكأنهم تركوا بصمة تدل على أثرهم حيثما وجدوا، على حين أن الزخرفة عند الفارسيين جميلة ومدروسة بشكل كبير بسبب تعقيدها حيث يتم التعامل معها بنمطية ألوان مهمة جداً.

شغف المهنة

الزخرفة الإسلامية في الجامعات العالمية بعيداً عن تعريفها الإسلامي تعرف على أنها فن تجريدي حسب قاب، على حين تعرفه بحوث كثيرة على أنه فن انطباعي لأنه يحاول خلق مرحلة من مراحل الفكر الصوفي كخروج الروح من الجسد وظهورها للأفق وتحوير الطبيعة بحالات روحية أكثر، ويؤكد قاب أن الزخرفة فن جمعي تراكمي لما شاهدته وعاينته ودرسته وبحثت فيه واستقصيت عنه ولا ينحصر في ورشة تدريبية معينة أو دورة تعليمية لمدة شهر، فهو ميدان واسع وكبير ولا يمكن أن يتقنه طالب ليس لديه الشغف لهذا الفن واضطر للانتساب لهذه الدورة أو تلك الورشة لمجرد الاطلاع أو ليقال فقط إنه حاصل على شهادة في الزخرفة أو متقن للفن الإسلامي، فذلك بالتأكيد لن يجدي نفعاً، فهذه الدورات لن تعطي فناً وإنما الأيام والتجارب والخبرات هي من تفعل، مؤكداً أن الجمعيات أو الهيئات الحكومية تسعى دائماً لإقامة مثل دورات كهذه ولكن الجيل الجديد يكاد يبتعد كل البعد عن هذا الفن أو عن كل ما يخص التراث والحضارة الإسلامية والسورية وكما نرى يتم التوجه العام نحو التكنولوجيا والرقمنة.

مناشدة إعلامية

كما ناشد قاب المعنيين ببذل مزيد من الجهود لتسليط الضوء على مهنة الزخرفة إعلامياً على أقل تقدير حيث إن الأعمال الدرامية أنصفت المهنة بعض الشيء وبشكل خجول، فعلى سبيل المثال يطلب منه أن ينجز عملاً على غرار ذاك الذي شاهده الجمهور في البيت العربي الذي صور فيه العمل التلفزيوني (سين)، وهو قليل جداً ولا بد من أن يقوم صناع الدراما بتنفيذ أعمال تلفزيونية تتحدث عن مهنة معينة بذاتها ومزاياها وصعوباتها وأهميتها مؤكداً أن دمشق لم تكن فقط مقهى وحلاقاً ومخبزاً ومضافة زعيم وانتهى الأمر.

من أهم الأعمال التي أنجزها قاب: جامع الفاروق بدمشق وجامع الدرة وجامع صلاح الدين في ركن الدين والعديد من البيوت العربية في دمشق وعمان وبيروت، كما كانت له مشاركة في تنفيذ بناء السفارة السورية في ألمانيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن