تحرق _حرائق _ الغابات القلب وتعصره ولاسيما عندما تقضي على أشجار في عروس ساحلنا- اللاذقية – عمرها آلاف السنين.
وعاماً إثر عام نفقد أجزاء غالية من غاباتنا البديعة وهي كنوز لا تقدر بثمن، خضراء نضرة، تستبدل بين عشية وضحاها بأعمدة خشبية سوداء متفحمة.
لا يقتصر الأمر على اللاذقية وحدها، ففي هذه السنة، بدأت حرائق غاباتنا في جبال سهل الغاب الوعرة جداً، وعرفت بعض مناطق مصياف الفاجعة ذاتها، وما من شك أن جهوداً جبارة قد بذلت لإخماد تلك الحرائق، وإلا لكانت الخسائر أكبر.
وحذر الرئيس بشار الأسد في سياق ثنائه على جهود العاملين في إطفاء حرائق غاباتنا، من الشهرين القادمين الحارين، ذلك أن الحرارة الشديدة عامل مؤهب لحرائق الغابات.
وهذا التحذير في غاية الأهمية، فإذا كانت الحرائق شراً لابد منه في الصيف القائظ، فإن سرعة إخمادها نصر حاسم عليها وربح لنا في الإبقاء على غاباتنا.
وهذا ممكن في زمن الموبايل وتوافر منصات المراقبة، ومرابطة آليات الإطفاء داخل الغابات أو على أطرافها، واعتبار كل الغابات محميات يمنع الدخول إليها.
صحيح أن غاباتنا أجمل وأغلى وأصغر، لكن مصابها شبيه بغايات العالم.
وفي سياق الحديث عما يسميه الخبراء (عصر الحرائق الجديد)، نلفت الانتباه إلى أن البيئة توحد العالم وتجعل منه دولة واحدة ذات علم أخضر، وعليه فإن ما يعاني منه العالم الآن من أمراض بيئية، لسنا في منأى عنها، وفي مقدمة ذلك الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض 1,5 درجة مئوية حتى الآن، بالمقارنة مع ما كانت عليه في العام 1750، أي ما قبل الثورة الصناعية.
وبدلاً من خفض تلك الحرارة، وسط حراك بيئي عالمي، تبلور في العام 2015، نفاجأ قبل أيام أن كوكب الأرض قد استنزف حصته لهذا العام من الموارد الطبيعية في الأول من شهر آب الجاري، وبات عليه أن يقترض من موارد العام القادم!
وبهذا المعنى فإن كوكبنا لا يزال يستهلك النفط والفحم الحجري والغاز بإفراط، وتنفث هذه المواد عند اشتعالها غازات الدفيئة مثل ثاني أوكسيد الكربون co2 الذي لا يغادر الغلاف الجوي، علماً أنه ينطلق من المداخن ساخناً فيسخن حرارة الأرض، ويؤدي هذا الاستهلاك الجائر إلى ارتفاع حرارة الأرض وتغير المناخ والجفاف وحرائق الغابات ومن ثم التصحر المستمر.
ولهذا يرى الخبراء أن ثمة علاقة وثيقة بين احتراق أغلب الغابات في العالم (كندا روسيا كازاخستان منغوليا كاليفورنيا إسبانيا البرتغال اليونان وتركيا).
القاسم المشترك الحرارة العالية التي وصلت في تموز الماضي في كاليفورنيا إلى 54درجة مئوية.
فهل تستمر الحياة على الأرض من دون غابات..!! (كان العالم يفقد كل عام 12 مليون هكتار من غاباته، في هذه السنة، في كندا وحدها، فُقد عشرة ملايين هكتار من الغابات التي حسبما توضح الدكتورة سها نصار في كتابها (مقدمة في علم البيئة):
1- تخلص الجو من غاز ثاني أوكسيد الكربون، عبر عملية التركيب الضوئي وتخزينه في المركبات العضوية (الكتلة الحيوية)، وتطلق الأوكسجين.
2- تساعد على استقرار معدل حرارة الغلاف الجوي وإبطاء التغير المناخي بوصفها جزءاً من دورة الكربون في الأرض.
3- تثبت التربة وتسهم في تعبئة الخزانات الجوفية بالماء العذب…. الخ علماً أن مساحة الغابات في العالم 4، 6مليارات هكتار…! إنها رئات العالم.
فكيف نحميها ونبقي عليها…؟
لقد لاحظت من خلال متابعتي لقضية البيئة، أن العالم يفتقد منظمة دولية تواجه هذا الداء المخيف-الحرائق-.
وأقترح على مؤتمر أطراف اتفاقية المناخ _co28_ الذي سيعقد في الإمارات العربية المتحدة في ت2 القادم، أن يتبنى السعي إلى إحداث منظمة في الأمم المتحدة إسوة باليونيسيف والصحة العالمية والفاو، تمد الدول ولاسيما الفقيرة بوسائل مكافحة حرائق الغابات بالطائرات والآليات والبودرة… الخ (وأراهن على تبني الإمارات هذا الاقتراح فهي متحمسة لإخماد حرائق الغابات، وقد عبرت عن ذلك بإعانة سورية مؤخراً بست سيارات إطفاء للمساهمة في إخماد حرائق غابات اللاذقية).
لا يجوز أن تكافح الحرائق الهائلة بطائرة أو طائرتين فليتم زج عشرات الطائرات لإطفاء الحريق.
ولعل هذا الاقتراح أفضل تفعيل لاتفاقية المناخ العالمية التي تراوح في مكانها منذ ثماني سنوات، وأفضل حل لمكافحة تزايد الاحتراز الحراري العالمي.