يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت منذ سنوات عديدة تنتهج سياسة تسعى بوساطتها إلى توظيف دول وجيوش ومجموعات مسلحة بعمليات إرهابية للمحافظة على مصالحها الاستعمارية وتوسيعها في أي منطقة لأنها لا تريد أن يتولد أي فراغ في أي بقعة في العالم فتملؤه دول وعلاقات أخرى مع أطراف مناهضة لهيمنتها بل تحاول أن تتجنب خوض معارك مباشرة مع المناهضين لهيمنتها بعد هزائمها في أفغانستان والعراق وسورية.
هذا ما تحاول تنفيذه الآن لتوظيف عدد من الدول الإفريقية التي أنشأت فيما بينها تجمعاً للتعاون الإقليمي الاقتصادي باسم دول «إكواس» الذي يضم 15 دولة إفريقية، فقد طلب وزير الخارجية الأميركي توني بلينكين من دول «إكواس» أن تسارع إلى تدخل عسكري مباشر بقواتها ضد القيادة التي استلمت الحكم في النيجر واعتقلت رئيس الدولة السابق المتعاون مع باريس، وبهذا الشكل تريد الإدارة الأميركية استخدام جيوش هذه الدول لإعادة النيجر إلى الوضع الذي يسيطر عليه النفوذ الفرنسي والأميركي، وربما يلاحظ الكثيرون أن اقتسام المستعمرات بين الدول الاستعمارية الكبرى التقليدية منذ الحرب العالمية الأولى ما زال ساري المفعول عند هذه الدول الامبريالية رغم تحرر الشعوب في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، فالولايات المتحدة يهمها أن تحافظ فرنسا على نفوذها في مستعمراتها السابقة ولذلك وحد الغرب سياسته للوقوف ضد تغيير النظام في النيجير التي ينتشر في أراضيها جنود فرنسيون وأميركيون باسم المحافظة على نظام الحكم فيها واستمرار السيطرة على مصادر ثرواتها الإستراتيجية وأهمها اليورانيوم ومنع استقلالها وسيادة قرارها. وفي هايتي في أميركا الجنوبية تحاول واشنطن الآن ترتيب اتخاذ قرار باسم مجلس الأمن الدولي لإرسال قوات متعددة الجنسيات بقيادة الجيش الأميركي للسيطرة على الوضع في البلاد بعد اغتيال رئيس هايتي قبل سنتين، وطلبت واشنطن من كينيا الدولة الإفريقية أن ترسل قوات للمشاركة في التدخل لمصلحة الولايات المتحدة لأن دول أميركا اللاتينية قد لا يسمح معظمها وربما جميعها بالتدخل العسكري المباشر ضد دولة أميركية لاتينية لمصلحة الولايات المتحدة.
هذا يعني أن الدول الاستعمارية الكبرى السابقة تحاول الآن إعادة سيطرتها بطرق جديدة على مستعمراتها ذاتها التي ناضل شعوبها للتحرر من قيود واستعباد الاستعمار لها، ويلاحظ الجميع أن فرنسا حولت إفريقيا إلى ساحة انتشار لقواتها باسم الحماية واستعادة مصالحها فيها، ولا ننسى أن هايتي كانت مستعمرة فرنسية يوم تقاسمت بريطانيا وفرنسا بعض المستعمرات في أميركا الجنوبية مع الاستعمار الإسباني والأميركي في القرن السادس عشر والسابع عشر.
بالمقابل تحاول الدول والأحزاب الثورية في إفريقيا وأميركا اللاتينية التصدي لهذه السياسة الاستعمارية – الامبريالية القديمة – الجديدة بالاستناد إلى الحصول على الدعم والإسناد من الدول الكبرى والإقليمية المناهضة للهيمنة الأميركية والغربية، فثمة دول كثيرة في مختلف القارات تقيم علاقات تعاون ودفاع مع روسيا والصين وإيران وفنزويلا والبرازيل وجنوب إفريقية وغيرها من الدول لكي تدافع عن استقلال قرارها وتتصدى لمحاولات الغرب الهادفة إلى مصادرة قرارها الوطني الذي يصون مصلحة شعوبها، وهذا ما يحاول شعب النيجير وقواه الثورية السعي إليه بدعم روسي وصيني بل أيضاً بدعم من عدد من دول إفريقية أيضا، فقد أعلنت حكومتا مالي وبوركينا فاسو، وهما أعضاء في منظمة «إكواس» أنهما لن يسمحا بأي تدخل عسكري تقوم به هذه المنظمة الإقليمية وسوف تصطف مالي وبوركينا فاسو إلى جانب النيجير ضد كل من يتدخل عسكرياً في النيجير، وبهذا الشكل ستواجه باريس وواشنطن انقساماً داخل هذه المنظمة الاقتصادية الإقليمية التي تريد واشنطن تحويلها إلى منظمة عسكرية إفريقية إقليمية تعمل في خدمة المصالح الأميركية والفرنسية، وتشن الحروب ضد شعوب بعضها بعضاً.
تتبع واشنطن وباريس ولندن في تطبيق سياستها هذه وسيلة، الرشوة المالية لبعض القادة والمتنفذين في دول إفريقيا، لكي يبقوا حراساً لخدمة مصالح الامبريالية الاستعمار، وهذا ما يدل على أن الحروب الثورية ضد القوى الاستعمارية لم تتوقف منذ أكثر من قرن لأن الدول الاستعمارية حافظت على قوتها وقدراتها الحربية لإرهاب الشعوب والقوى الثورية، وهذا ما تحاول القيام به الآن بوساطة نشر النزاعات والحروب الداخلية والخارجية بين الدول في العالم كله، لكن الدول الاستعمارية رغم سياسة الإرهاب هذه لا تزال تتعرض للهزائم حتى حين تتدخل عسكرياً ضد الدول الأخرى، وهذا ما حدث لواشنطن في أفغانستان والعراق وسورية وفنزويلا، ولفرنسا في النيجير وبوركينا فاسو ومالي وغيرها من الدول الإفريقية، فالعالم أصبح ينقسم الآن بين دول استعمارية تريد استعادة مصالحها الاستعمارية، وبين دول تتصدى لهذه السياسة بكل وسائلها وبشكل تزداد فيه وحدة هذه الدول في أهدافها ومساندتها لبعضها بعضاً وفي ظل ظاهرة أصبحت فيها بعض القوى الإقليمية مثل إيران وكوريا الديمقراطية قادرة على تقديم الدعم للدول الصغيرة والفقيرة في كفاحها ضد الاستعمار إلى جانب الدعم الذي تقدمه روسيا والصين لهذه الدول.