التصعيد السعودي وتأثيراته على الحالة السورية
| باسمة حامد
معظم وسائل الإعلام العربية والغربية بدأت تشكك بإمكانية التوصل إلى حل سياسي في سورية بزعم «المخاوف» من انزلاق الأوضاع فيها نحو «المربع الأول» باعتبارها الساحة الأكثر تأثراً بالصراع الدائر بين «القوتين الإقليميتين السنية والشيعية»: السعودية وإيران.
إلا أن ما يقوم به محور واشنطن من محاولات لإعادة عقارب الساعة في سورية إلى الوراء، هو مجرد لعب على حد السكين بلا جدوى، إذ ليس جديداً على هذا المحور دفع أدواته الإقليمية لافتعال «الأخطاء الإستراتيجية» المختلفة للحد من التأثير الروسي في المنطقة، «التبرؤ» منها واحتوائها بدعوات: «الحوار والتهدئة» و«تحييد الخلافات الثنائية».
فردود الأفعال الدولية حيال توتر العلاقات السعودية الإيرانية وانتقاد «حقوق الإنسان» في المملكة على خلفية إعدام الشيخ النمر وآخرين، هي نسخة طبق الأصل عن المواقف الأميركية الغربية حين أقدم النظام التركي على إسقاط القاذفة الروسية شمال سورية بلا مبرر أواخر العام المنصرم، وانعكاس لتواطؤ الغرب ونفاقه وانتهازيته، وصورة جديدة من صور لعبته المزدوجة والمرفقة دائماً بمطلب: «علاقات طيبة بين الدول المعنية بالملف السوري»!!
وفي الواقع إن وجود اتفاق دولي على ضرورة عدم الذهاب إلى حرب شاملة، والمساعي المبذولة لإبقاء الأمور تحت السيطرة إلى حين التوصل إلى تسوية سياسية ملائمة في ظل تعاظم نفوذ التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»، والإصرار الأميركي على عقد اجتماعات مخطط لها حول سورية خلال الشهر الحالي لكون «الأزمة» تحولت إلى: «مصدر لكثير من المشكلات» كما وصفها رئيس الوزراء البريطاني، يعكس توجهاً عاماً لدى الدول الكبرى لإدارة الصراع انطلاقاً من توفير مناخ مناسب لإطلاق عملية سياسية سينتج عنها في النهاية تأهيل الدولة السورية وإعادتها بشكل شرعي إلى الأسرة الدولية.
لكن بصرف النظر عن الجهود الدولية- على أهميتها- يجب التركيز على أن الحل في سورية له شق داخلي وليس فقط خارجياً، ما يعني المواطن السوري بالدرجة الأولى هو هذا الجانب بالتحديد لأنه يتعلق مباشرة بحاضره ومصيره ومستقبله وأمله بالخلاص من «الأزمة» وتداعياتها السلبية.
وعلى هذا الأساس، ستبقى تداعيات التصعيد السعودي الأخير محدودة على الملف السوري على حين ستنعكس كأزمة إضافية داخل المملكة في ظل التناحر الحاصل بين أمراء الأسرة الحاكمة وخصوصاً أن التعويل الشعبي في سورية بات مرتبطاً أكثر بالخيار الوطني الحاضر والفاعل والمؤثر لكونه يشكل القاعدة الصلبة وطوق النجاة الوحيد لترتيب المشهد على أرض الواقع وفق آليات تضمن الأمن والأمان والانفراج الاقتصادي وإعادة الإعمار.
والنصف المليء في كأس «الأزمة» أن هذا الخيار استطاع تجاوز تعقيدات «الأزمة» في كثير من الأحيان ونجح في تقليص مساحات الإرهاب إلى الحد الذي جعل التنظيمات المتطرفة تبحث عن ساحات أخرى، وكرّس عمليات المصالحات والتسويات (عدد المناطق التي شملتها المصالحة – وفق مصدر رسمي- بلغت أكثر من خمسين منطقة وهي مرشحة للارتفاع بوتيرة أسرع في العام الجاري).
والأهم أن تلك الإنجازات الصعبة تحققت ضمن العمل على مسارات متعددة ومتداخلة في وقت واحد: القضاء على الإرهاب وإعادة الأمن إلى المناطق الساخنة ومعالجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأزمات اليومية:(الكهرباء والماء والوقود وغيرها)..