من دفتر الوطن

اختطاف الأبنودي!

| عصام داري

من طرائف الفن والفنانين أن الشاعر عبد الرحمن الأبنودي كان مع الموسيقار بليغ حمدي عندما جاءه اثنان لم يكن يعرفهما يرتديان نظارتين سوداوين طلبا منه المجيء معهما للأهمية قائلين: من فضلك عايزينك معانا خمس دقائق، فذهب معهما من دون كلام ظناً منه أنهم ذاهبون إلى المعتقل إذ سبق له أن اعتقل بسبب بعض قصائده.

لكن بدلاً من الاتجاه إلى«المعتقل» توجهت السيارة إلى حي الزمالك، ووقفت السيارة أمام إحدى العمارات ليجد نفسه أمام الفنان عبد الحليم حافظ قائلاً: «أهلاً أبنودي».

القصة رواها الأبنودي شخصياً في أحد اللقاءات التلفزيونية، والسبب أن عبد الحليم حافظ استمع إلى أغنية عدوية للمطرب محمد رشدي التي كانت منتشرة بشكل كبير جداً، وهي من كلمات الأبنودي وألحان بليغ حمدي، فدفعته غيرته إلى «عملية الاختطاف» قائلاً: أنا عايز أغني باللغة بتاعتك دي عشان عاجباني، بس أنا مقدرش أقول المسامير والمزامير زي رشدي، يقصد مقطع في أيديا المزامير وفي قلبي المسامير من أغنية عدوية.

فرد عليه الأبنودي قائلاً: هنعمل كل ما أقول التوبة بس مع بليغ، وعلى الرغم من أن الأبنودي كتب هذه الأغنية خصيصاً لحليم، إلا أنه حين سمع الأغنية أول مرة استشاط غضباً بسبب مقدمة الأغنية، بل وصل الأمر إلى أنه تبرأ منها ووَصَفَ ما صنعه بليغ بالسيرك والملاهي الرخيصة.

كانت هذه الأغنية هي التعاون الأول بين حليم والأبنودي، لكنه لم يكن التعاون الأخير، بل إن صداقة قوية نشأت بين المطرب والشاعر استمرت سنوات طويلة، وإذا كانت تلك الأغنية بدأت «باختطاف» طريف فإن بعض الأغنيات كان لها حكايات لا تقل طرافة.

فقد كان الأبنودي ينتقد بشدة أفلام حليم التي تنتهي أغلبها بأغنية حزينة على خشبة المسرح والتي ترى فيها الحبيبة مشلولة وهي تستمع لها عبر الراديو مثل حال فيلمه «حكاية غرام». ما أغضب عبد الحليم وأكد له أن هذه الأغنيات كتبها أساتذة كبار وأنك لا تستطيع كتابة كلمات مماثلة لها، ولو استطعت فعل ذلك فسأعطيك أعلى أجر ناله شاعر غنائي مني.

هذا الأمر زاد حماسه ودفعه إلى مراهنته على استعداد أن يكتب له الآن في أغنية من تلك النوعية بكل يسر وسهولة، وكان شاهداً على هذا الرهان محمد الموجي، وكمال الطويل، ومجدي العمروسي، ومفيد فوزي، فجلس الأبنودي في غرفة الطعام في منزل حليم وانتهى من تأليف «أحضان الحبايب» في فترة قصيرة جداً.

لم يكن يصدق حليم أنه انتهى بالفعل من كتابة الأغنية وعندما قرأ كلماتها على الحاضرين وأنهاها «حتى في أحضان الحبايب شوك يا حنفي» في نوع من السخرية، دخل الجميع في نوبة من الضحك المتواصل وليغضب حليم في المقابل وينسى تماماً رهانه معه ليقوم بغنائها في نهاية الأمر.

فتحول المزاح إلى جدية كبيرة، حتى الأبنودي نفسه استغرب ذلك فتابع كتابتها، لكن هذه المرة بشكل جدي، وألغى كلمة «يا حنفي» بكلمة يا قلبي، فلحنها محمد الموجي وغناها عبد الحليم في فيلم «أبي فوق الشجرة» وهو آخر أفلام عبد الحليم حافظ.

قصة الفن والطرب والشعر أعطتني الفرصة لأهرب من «كلام الناس» حول الغلاء والأجور والرواتب، و.. اللهم امنحني المزيد من قصص الفن والغناء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن