ثمة صور مبعثرة في أرجاء المنطقة، لكنها ترسم في مجملها مشهدية واحدة تعكس ارتفاع حدة التوتر بين حلف يضم الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني ومن انساق معهما في مشاريعهما، وحلف روسيا ودول محور المقاومة، لتعلو قعقعة السلاح مؤخراً في أرجاء المنطقة برمتها.
آلاف المسلحين ومئات الانتحاريين من طالبان الأفغانية إلى الحدود مع إيران، الولايات المتحدة الأميركية تفكر بعملية عسكرية جديدة في سورية، وصول أكثر من ثلاثة آلاف بحار أميركي إلى الشرق الأوسط، الاحتلال الإسرائيلي يدرب قواته في قبرص بسبب تشابه تضاريسها لتضاريس لبنان.
الصورة في سورية، تظهر حراكاً متسارعاً لقوات الاحتلال الأميركي في تحشيد قواته، واستجلاب الآلاف من المسلحين المرتزقة التابعين له، لشن عدوان على مدينتي الميادين والبوكمال، عملية تمكنها وصل المناطق التي تحتلها في «التنف» بمناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» لقطع الطريق الذي يربط بين دمشق وبغداد، الأمر الذي أكدته مجلة «إزفيستيا» الروسية بالقول: «إن الحدود بين سورية والعراق والسيطرة عليها أصبحت الآن تحت إشارة استفهام، وانطلاقاً من ذلك، يمكن للأميركيين الحصول على سبب رسمي للحرب».
إلا أن السيناريو والمخطط الأميركي في تحقيق ما سبق ذكره، ليس بالمتناول السهل، أو حتى ممكن التحقيق، بشكل منفرد، بمعنى إمكانية شن معركة في سورية بعيداً عن الحروب المندلعة على الجبهات في أوكرانيا والكيان الصهيوني وحتى النيجر، وعدم إمكانيتها نابع من منطلقين اثنين، الأول إعلان «قسد» صراحة وعلى لسان الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني صالح مسلم أن «قوات قسد لن تدخل في مواجهة عسكرية مع الجيش السوري وحلفائه، إذا ما اقتحم مناطق شرق الفرات، شرط ألا تكون تركيا مشاركة بأي عمل عسكري»، والثاني عدم سماح حلفاء دمشق، وإيران بالتحديد، ليقين الجميع أن سيطرة الاحتلال الأميركي على المنطقة من التنف إلى شرق الفرات سوف تشكل قاعدة ارتكاز أساسية، لمواجهة القوى الآسيوية الناهضة، إضافة إلى حماية أمن واستقرار الكيان الإسرائيلي.
الصورة في مياه الخليج العربي، والذي يستعد لدخول أكثر من 3000 عنصر من البحرية الأمريكية ومشاة البحرية، من الأسطول الخامس، ليكون السؤال الأهم حول ذلك، ذاك الذي طرحه موقع «المونيتور» بالأمس بقوله «لماذا ترسل الولايات المتحدة 3000 قوة بحرية ومشاة البحرية إلى الخليج العربي»؟
إذا كان الهدف المعلن من واشنطن بأن ذاك الإجراء غايته «ردع إيران عن احتجاز السفن وناقلات النفط»، حيث قال المتحدث باسم الأسطول تيم هوكينز أول من أمس إنّ «عملية الانتشار تؤكد التزامنا القوي والثابت بالأمن البحري الإقليمي»، غير أن الحقيقة ومع خبرة المنطقة بالسياسات الأميركية، غير ذلك، فقد يكون لجهة إجراء الضغط على طهران، خاصة فيما يخص ملفها النووي والمفاوضات حوله، ولجهة أخرى الحفاظ على مصالحها في المنطقة وعلى أمن إسرائيل، ولإعادة إحياء فكرة أن الخطر الأساس والرئيس في المنطقة هو إيران، وإذا ما تم استبعاد فاعلية الضغط والتخويف لفشلهما سابقاً، ترجح فكرة العسكرة، التي تؤكد أن تحريك أي قطعة عسكرية وجعلها في حالة استنفار أو جاهزية، يسهل من زج تلك القطعة في أي عمل عسكري يمكن أن يبدأ فجأة، الأمر الذي يؤكده دعوة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائه وفداً من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين نيابة عن «أيباك» إلى «خلق تهديد عسكري حقيقي لإيران»، وهذا يعيدنا إلى المشهدية في الصورة الأولى، ويأخذنا إلى المشهدية في الصورة التالية.
يظهر في الصورة الثالثة، قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بعمليات تدريب لإكساب قواته وأفراده خبرة على مواجهة حزب الله في أي معركة مستقبلية، ولهذا الأمر تم إرسال لواء الكوماندوس إلى قبرص من أجل التدرب فيها على غزو لبنان، بسبب تشابه تضاريس البلدين، ضمن فعاليات مناورة «مركبات النار» التي انتهت الشهر الماضي، وإذا كانت تضاريس قبرص تحاكي تضاريس لبنان لجهة الطقس ووعورة الأرض والتنوع البيئي، فإن من المؤكد أيضاً أن تلك التدريبات تحاكي عدواناً واسعاً يخطط للمنطقة من سورية إلى لبنان وإيران.
من الواضح أنه إذا ما تم تجميع الصور ضمن إطار واحد، فان الظاهر للعيان سيكون مشهداً يشي بأن المنطقة في الربع ساعة الأخيرة قبل بدء حرب عمياء، خاصة مع تحويل أميركا المنطقة إلى برميل بارود ومخزن للأسلحة، وإتباعها سياسة الحوار بالنار.