الفنان العراقي (القره غولي) ظاهرة فنية عراقية كبيرة، وكانت من كنوز الإبداع العربي الذي لا يجود الزمن بمثله دائماً، فهو حالة خاصة وفريدة أسهمت في تطوير منظومة الموسيقا واللحن العراقي بصورة خاصة، واللحن العربي بصورة عامة، ذلك الصوت الشجي الذي سيبقى ينبوعاً لا ينضب تنهل منه الأجيال.
طالب القره غولي فارس اللحن المتدفق بعذوبة وإتقان، مثل دائم، نهر ثالث من الإبداع ارتوت منه -ولم تزل- الذائقة الموسيقية العراقية والعربية، إضافة إلى أنه امتاز بشخصية فريدة وروح يسكنها الشجن العربي الموشح بتنهدات الأمهات، هذا الفتى الجنوبي من أرض سومر، جعل من الأغنية العراقية شجرة باسقة تجود بالدفء والحنين لكل من استظل بها، فقد استمد القره غولي عشقه الأولي من الموروث المخبأ في تقاسيم ووجوه أبناء مدينته (الناصرية) ذي قار، وعشقها للغناء بشكل فطري، الأمر الذي صب في بوتقة الفن العراقي، فتحول هذا العشق إلى غزارة لحنية محكمة الأطراف، ليشكل نقطة انعطاف كبيرة ومهمة في تاريخ الأغنية العراقية، إذا لا يذكر الغناء العراقي إلا وقد ذكر (طالب القره غولي).
لقد عبّر هذا الفتى الأسمر عن حاجات الوجدان العراقي والرفعة والسمو والعرفان من خلال ترجمة الأحزان، فلقد منح هذا الملحن الكبير الأغنية فضاءً واسعاً وشفافاً ومديات جديدة، لأن ألحانه امتازت بالتنقلات والإبداعية والمقامات بهندسة وزخرفة ضاعفتا من تراثها النقي الذي يشدّ إليه الأفئدة والوجدان.
قبل ظهوره كانت الأغنية العراقية مكبلة بقاعدة المذهب الواحد مع ثلاثة كوبليهات في النص الشعري واللحن الذي يترجم ما قبله، أي عبارة عن مدخل وثلاثة مقاطع تتشابه في اللحن والجمل الموسيقية لفترات طويلة.
لقد قلب (القره غولي) المعادلة الأزلية من النص الشعري واللحن والموسيقا بإدخاله القصيدة المغناة من خلال شعر الراحل الكبير (مظفر النواب) الذي امتاز شعره بالحركة والتماسك اللفظي بمعانٍ راسخة وكبيرة وغير معتادة وغير مستهلكة أيضاً، أي إنها ثورة جديدة أطاحت بالأسلوب القديم، مضيفاً إليها أسلوباً جديداً مغايراً لما سبقه من خلال المقدمات الموسيقية الطويلة.
رحم الله الفنان الموسيقي الملحن (طالب القره غولي) الذي مازالت ألحانه خالدة حتى اليوم في كل الإذاعات العربية وعلى رفوف المكتبات الموسيقية ترددها الأجيال لعذوبة ورقّة أنغامها الجميلة.