شؤون محلية

عطش الحاضر وظمأ المستقبل

| ميشيل خياط

جدد مجلس الوزراء أمنية غالية على السوريين: الشرب من ماء البحر المحلاة.

ففي أواخر تموز الماضي، كلف وزارة الموارد المائية دراسة جميع السيناريوهات الممكنة لتعزيز الواقع المائي في المنطقة الجنوبية من سورية (بما فيها مشروع تحلية مياه البحر بما يؤمن الطلب المنزلي).

تكمن أهمية هذا الطلب، في الأزمة الحادة مع العطش الآن، ولاسيما في السويداء.

وكان رئيس الوزراء وعد في (15/5/2023) أثناء لقائه أعضاء مجلس اتحاد نقابات العمال، بإيجاد حل لمياه الشرب في السويداء ودمشق والمنطقة الجنوبية. وهنا نشير إلى أن أغلب مياه الشرب لمحافظة السويداء تأتي من السدود التجميعية للأمطار، وفي هذه السنة لم يكن موسم الأمطار هناك جيداً ولم يقو على إملاء السدود بالطاقة القصوى، كما أن محافظات دمشق وريف دمشق ودرعا تعاني من نقص في مياه الشرب ما يقود إلى برامج تقنين قاسية.

بدهي أن التوجه إلى البحر لا يشكل حلاً إسعافياً آنياً، ومثل هذا الحل الإسعافي ضروري وحيوي وغير قابل للتأجيل لأن الماء حياة كما هو معروف.

ولعلها فرصة أن نشدد على شحذ الهمم في هذه الفترة القائظة التي نعيشها حالياً، وإيصال مياه الشرب _على الأقل _ للناس المحتاجين إليها على امتداد الجغرافية السورية، من الحسكة إلى صلخد في السويداء.

لكن اللافت للانتباه في موضوع تحلية مياه البحر، أنه قد طرح كمشروع متكامل من الحكومة الحالية، في أيار من العام 2021 وأضيف إليه، عبارة: جر المياه من الفرات إلى دمشق والمنطقة الجنوبية.

ويعرف المتابعون أن هذا الحلم قديم، طرح مراراً قبل الحرب الجائرة على سورية ومن المؤلم أنه لم ينفذ!!.

وسر التعجب في هذا السياق، أنه الحل الواقعي والممكن الوحيد، لحماية المياه الجوفية السورية من النضوب السريع، في ظل التغييرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الأرض وتناقص كميات الأمطار التي تهطل سنوياً.

تعد سورية في تقييم الأمم المتحدة، بلداً جافاً وهي تعاني من عجز كبير في المياه، يقترب من ملياري متر مكعب سنوياً، ولئن كانت من الدول التي تميزت بحسن استثمار مياهها عبر 166سداً إلا أن الحرب حرمتها من متابعة هذا المسار التنموي المهم واستكمال بناء عدة سدود مهمة مثل _حلبية زلبية _على نهر الفرات في دير الزور وسد الوادي الأبيض في إدلب وإعادة بناء سد زيزون على مشارف سهل الغاب.

تستهلك الزراعة السورية القسم الأكبر من الماء المتاح، ويمكن تقليصه بالري الحديث الذي تتكفل الدولة السورية بتحمل 50 بالمئة من تكاليفه عن الإخوة الفلاحين.

وإذ نأخذ بعين النظر أن الكرة الأرضية كلها تعاني من تدهور الوضع المائي على سطحها (2مليار إنسان على وجه الأرض يفتقرون إلى مياه شرب مأمونة _و 100كم3 إلى 200كم3 من المياه الجوفية تنضب كل عام، ما دفع أمين عام الأمم المتحدة أن يقول: العالم يسير كأعمى في طريق خطر)، وإذ ننتبه أن البحار والمحيطات تشكل 98 بالمئة من مياه الكرة الأرضية، فإن التوجه الوطني لتأمين مياه الشرب _على الأقل _من البحر، لا غنى عنه وسيكون سر وجود الأجيال القادمة على الأرض، وفي سورية تحديداً، فلنفرح أن لنا منفذاً على البحر، ثمة دول من دون إطلالة على البحار.

ولعل ما أخر الإنجاز _تاريخياً _ قصة التكلفة الباهظة.

اليوم اختلف الأمر مع إمكانية التحلية بوساطة الخلايا الكهرضوئية، ونذكر بمثال نقل المياه إلى دمشق في العام 1929 من نبع الفيجة، للتخلص من الكوليرا، إذ تبرع الناس بذهبهم، وشقوا قناة في الجبال كانت مكلفة جداً آنذاك..!!

لكن الفضل الأكبر هو لمن قاد المشروع: (الكبيران: لطفي الحفار وفارس الخوري).

فهل تحظى وزارة الموارد المائية بشرف جر مياه البحر إلى جنوب سورية، ليكون (هذا الشرف)، صفحة ذهبية لها في التاريخ السوري المعاصر….؟!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن