الفن الأصيل والزمن الجميل يعود بـ«ما في وفا لا تسألوا عني» … شادي جميل لـ«الوطن»: استطعت أن أصنع هوية جديدة امتدت أكثر من أربعة وثلاثين عاماً
| آلاء الخطيب
مطرب من الزمن الجميل ما زال لليوم يعطر زماننا بعبق التراث والأصالة ويطرب الأجيال على مدى سنوات، بأغنياته وموشحاته ترك أثراً كبيراً في قلوب كل من سمعها وارتقت بالفن السوري إلى القمم ونقلت تراثنا إلى دول العالم من خلال الكثير من الأغاني منها «أنسى غرامك» و«يا حبيب ما أنساك»، و«أول عشرة محبوبي» و«اسمك يا شهبا» و«ليش أنا حبك جنون» والكثير من الأغنيات الرائعة.
وكان المطرب السوري الكبير شادي جميل حاضراً في الداخل والخارج، واستطاع بما ملك من صوت وذائقة وأصالة أن يوصل الأغنية الحلبية والسورية بثوب معاصر جميل.
المطرب وليس النجم أو الفنان
• مئتان وسبعون أغنية بين موشح وقصيدة أغنيات في أرشيف شادي جميل ما أكثر أغنية لها خصوصية عندك؟
أعتبر كل الأغاني مثل أولادي ولا أستطيع تفضيل أغنية على أخرى ولكن هناك دعاء ديني أديته يقول «يا رب يا عالي شوف عبدك» هذه كانت افتتاحة خير لي حيث قدمتني لجميع المحافظات السورية والوطن العربي، فبداية شادي جميل كانت بفضل دعاء ضمن أغنية.
• لماذا تحب أن يعرف عنك بصفة المطرب وليس النجم أو الفنان؟
لأن النجم هو الشخص الذي ظهر البارحة والفنان هو لقب يطلق على الرسام والممثل.
أما المطرب فهو من أطرب، المطرب يحمل مسؤولية إيصال الكلمة واللحن ومن ثم الأداء، فالمطرب هو الذي يعرب ويقول القصيدة كل مقطع بنغمة مختلفة وأنا أعتز بكلمة المطرب مع أنني لا أحب الألقاب بشكل عام وأحب أن يكون تقييمي من الجمهور لأنني أقدم فناً أصيلاً واستطعت أن أصنع هوية جديدة ومدرسة اسمها مدرسة شادي جميل وهناك جيل كامل عمره أربعة وثلاثين عاماً عاش على أغاني شادي جميل، إضافة إلى أن الألقاب لا تضيف شيئاً للمطرب إن لم يجد صدى طيباً عند الجمهور، فالعلاقة بين المطرب وجمهوره علاقة تفاعلية تشاركية والحكم فيها لمقدار الطرب.
• أثبت حضورك على الساحة الفنية بوجود المرحوم صباح فخري ماذا عن تأثيره فيك خصوصاً أنك تشترك معه باللون ذاته «القدود الحلبية»؟
والله أتمنى لو أنه ما زال على قيد الحياة، الله يرحمه لأن وجوده كان بالنسبة لي حافزاً لأعمل وأعطي أكثر فهو الصوت الذي طربت له في كل حياتي أنا ووالدي ولكن هذه سنة الحياة ودائماً أترحم عليه.
• كثير من المطربين المختصين بالقدود الحلبية ظلموا في الشهرة وتسليط الضوء عليهم ولم يصلوا لما وصل إليه شادي جميل فما السبب برأيك؟
اليوم الفنان يجب أن يجاري العصر، الزمن الجميل بكل شيء بالفن بالعادات وإيقاع الحياة كله تغيير والزمن الذي نعيشه حالياً لن أقول إنه زمن رديء ولكن ليس جميلاً فالشباب لم يجاروا العصر وظلوا على الرتم القديم وبالمدرسة التي لها فضل كبير علينا ولم يواكبوا التطور، والحياة تتطلب التجديد فحالياً السوشيال ميديا إن لم تقدم دائماً شيئاً جديداً فلا تستطيع المنافسة وأكبر فنان عالمي يمكن أن ينتهي إذا لم يصدر أعمالاً جديدة وهؤلاء أنا أراهم قصروا بحق أنفسهم ولم يعملوا هوية وبصمة جديدة في عملهم وبرأيي ما زالت الفرصة أمامهم للتقدم ورب العالمين يقول اسعَ لأسعى معك.
• تميزت أغانيك بإدخال تعديل على القدود الحلبية وتجديدها وبصمة جديدة لك فهل هذا ما جعل فنك ينتشر؟
لا نستطيع التغيير في القدود الحلبية فهي على أصول ثابتة، وموروث لكل أبناء الوطن، ومن حق كل فنان أن يتغنى بها وبتاريخها، ولكن كل فنان يقولها بصوته وإحساسه وخبرته ويمكن أن تسلطن في حفلة فيقدم تنويعات في أداء القدود بطرائق مختلفة، ولكن الأساس للتراث يبقى كما هو وكما وصلنا عبر الأجيال.
الهوية الخاصة
• ما تأثير صباح فخري عليك في طريقة الغناء والوقفة على المسرح وكيف تستطيع الحفاظ على هويتك الخاصة؟
أكيد تأثرت به.. الأستاذ صباح الله يرحمه أحيى التراث والقدود الحلبية وجددها وأوصلها للجمهور بصوت جميل وأمانة، أما شادي جميل بكل تواضع فعمل مدرسة وأغنية سورية بهوية سورية اليوم، أملك مئتين وسبعين بين أغنية وموشح خاص بشادي جميل.
• في هذه الأيام هل تجد بهذا الجيل مطرباً مبدعاً في القدود الحلبية أم هذا اللون من الغناء أصبح نادراً؟
بصراحة كفن سوري لا أرى حالياً أي فنان يحافظ على هويته، المشكلة أنهم يغنون لأكثر من فنان، يوجد لدينا نجوم وأصوات لهم شهرتهم وأتمنى أن يحافظوا على تراث وهوية سورية وهذا أهم شيء في نظري.
• ما أطول فترة وقفت بها على المسرح وغنيت بها؟ وعلى ماذا يتوقف المسرح؟
عشر ساعات في فنزويلا. ويتوقف المسرح على تجاوب الجمهور فعندما أجد جمهوراً متجاوباً ومقدراً للفن الذي أقدمه وجمهوراً يجلس مستمتعاً لمدة عشر ساعات فأنا مضطر للوقوف أمامهم، وذلك اليوم استمرت الحفلة من الثانية عشرة للعاشرة صباحاً لأنه كان جمهوراً محافظاً على التراث ومحباً له، ويتعطش للتواصل مع تراث البلاد، ويتفاعل مع كل ما يصله من طرب أصيل يعود به إلى وطنه.
• اليوم النجومية أصبحت أسهل والسوشيال ميديا ساهمت بشكل كبير بانتشار الأشخاص فهل ترى أن هذا النجاح السريع يظلم المجهود الكبير الذي بذلته أنت ونجوم جيلك؟
جيلنا تعذب كثيراً في أيام الكاسيت والبكرة والسي دي.. و.. و، وأما اليوم فالحياة سهلة حيث يقدم الفنان عملاً ينتشر في العالم كله ويستطيع الوصول بلحظة، فجيل اليوم محظوظ لأن الطريق معبد أمامه لإيصال فنه وكنا نتعب وندفع أجرة الإنتاج وكنت أعمل عملاً آخر لأستطيع الصرف على فني أما اليوم فتقدم الأغنية على اليوتيوب ويأتيك مدخول مادي منها فنحن تعبنا كثيراً وذهب الكثير من عمرنا لنصل إلى هذه المرحلة.
• الكثير من الحفلات لك بكندا والنمسا وفنزويلا والسويد ودول الاغتراب فهل لليوم ما زال العرب والسوريون خصوصاً متمسكين بالتراث والقدود الحلبية؟
المغترب الذي ترك بلده منذ سنوات طويلة مازال يحافظ على التراث أكثر من الأشخاص الموجودين حتى في حلب التي نسيها الجيل الجديد، أما هناك فهم محافظون أكثر على التراث ويسهرون على القدود الحلبية لطلوع الشمس ويفطرون مامونية وشعيبيات وفولاً، فالمغترب برأيي مستمع أكثر من الموجودين بالبلد ويستمتعون بالتراث.
• لماذا لم نرك هذه السنة في مهرجان القلعة وهل تعتب على شركات تنظيم المهرجانات في سورية؟
يقال العتب على قدر المحبة ولذلك لن أعتب.. لا أستطيع إيجاد إجابة لهذا السؤال ولكن أنا أغني دائماً في مهرجانات لبنان، وسورية دائماً تستقبل وتفتح أبوابها لكل فنان وزائر، فهم يغنون في بلدنا وأنا أغني في بلدهم أما لماذا لم أدعَ فهذا السؤال يجب توجيهه للمعنيين عن تنظيم المهرجان ولا أعلم إن كان مهرجاناً ناجحاً أم لا ولكنني أتمنى أن يأخذ كل مهرجان يقام في سورية صدى كبيراً خارج البلد لأن الموسيقا تقدم للعالم تراثنا وفننا.
• بعد الحرب الطويلة التي عانينا فيها بسورية والظروف الصعبة التي تبعتها ما دور الفن والغناء برأيك الآن للتخفيف من حدة هذه الأزمات؟
نحن اليوم نوصل رسالة للغرب أنه على الرغم من عقوباتكم وكل شيء فعلتموه في سورية من دمار لكننا لدينا ثقافة الحياة أقوى من ثقافة الموت، ونظهر للعالم أننا ما زلنا موجودين ونعيش بألف خير والفن رسالة محبة تقدم للناس.
سورية بلد الحضارة العظيمة، بلد الموسيقا والحضارة والنغم تبقى على رسالتها الحضارية التي تجذرت فيها، وتقدم رسالة فن راق للعالم كله، ولا تتوقف الحياة تحت أي ظرف.
• ما الجديد عند الأستاذ شادي جميل؟
قبل أن يتوفى الشاعر الكبير صفوح شغالة رحمة الله عليه ثمة أغنيتان «عن إذنك صار لازم روح بعترف خلص الكلام يا بتتركني أداوي الروح يا على الدنيا السلام».
وأغنية أخرى تقول «ما في وفا لا تسألوا عني» ولحنهما الملحن الحلبي الأستاذ صافي يعقوب وسيتم إصدارهما قريباً.