قضايا وآراء

طبول الحرب النووية

| الدكتور قحطان السيوفي

المشهد الدولي يشير إلى أن العالم يواجه تهديداً وجودياً نتيجة للمنافسة الجيوسياسية، وتصاعد التوترات وتعميق الانقسامات بين القوى الكبرى منذ عقود.

في وقت يحذر فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن «طبول الحرب النووية تدق» وتستمر المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف ونيويورك وفيينا بشأن نزع السلاح النووي.

في رسالة بمناسبة الذكرى السنوية الـ78 لجريمة القصف النووي الأميركي لمدينة هيروشيما، دعا غوتيريش المجتمع الدولي للتعلم من «الكارثة النووية» التي أحدثتها أميركا في 6 آب 1945، وقرأت الممثلة السامية لشؤون نزع السلاح رسالة الأمين العام للأمم المتحدة أمام نصب السلام التذكاري في هيروشيما.

وجاء في الرسالة: «طبول الحرب النووية تدق مرة أخرى، شبح الحرب النووية الذي كان يلوح في الأفق خلال الحرب الباردة قد ظهر من جديد»، وغوتيريش أطلق خطته الجديدة للسلام، في تموز 2023، ودعا فيها الدول الأعضاء إلى بناء عالم خال من الأسلحة النووية.

ويرى أن الدول التي تمتلك أسلحة نووية يتعين عليها أن تلتزم بعدم استخدامها مطلقاً، مؤكداً التزام الأمم المتحدة بتطبيق معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة حظر الأسلحة النووية.

ونشير هنا إلى أهم الأزمات التي وضعت العالم على حافة حرب نووية؛ قبل ستين عاماً، إذ كادت أزمة الصواريخ في كوبا تدفع العالم إلى كارثة نووية.

ففي تشرين الأول 1962، في ذروة الحرب الباردة، جرت مواجهة بين الرئيس الأميركي آنذاك جون كينيدي والزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، وانطلقت الأزمة مع وجود منصات إطلاق صواريخ سوفييتية في كوبا، تطول الشواطئ الأميركية.

وقرر الرئيس الأميركي كينيدي يومها فرض حصار بحري على كوبا، ولكن جرى اتفاق بين القوّتين؛ ووافق خروتشوف على سحب صواريخه، وتعهدت واشنطن بعدم غزو كوبا، وبسحب صواريخها من تركيا سراً.

بعد هذه الأزمة، تم وضع «هاتف أحمر» في 1963 يسمح للبيت الأبيض والكرملين بإجراء اتصالات مباشرة.

منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 لم يكن العالم قريباً من حرب نووية كما هو اليوم، ويتساءل كثيرون عن نتائج الحرب النووية؟ وهل ستكون تلك نهاية العالم أم إنه سيكون من الممكن بقاء الجنس البشري على قيد الحياة ولكن بعد قتل معظم الناس؟

آخر تقييم للقدرة العسكرية النووية الروسية في بداية عام 2022 كان يتوقع أن روسيا تمتلك مخزوناً يبلغ 4477 رأساً نووياً، ويقرب من 6 آلاف إذا ضمّت إليه الرؤوس الحربية التي تم إيقاف تشغيلها، على حين تحتفظ الولايات المتحدة بترسانة مكافئة تقريباً من 5500 رأس حربي، 3800 منها قابلة للنشر بسرعة ومن الصعب تقدير القوة الانفجارية لهذه الأسلحة.

الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح النووي عام 1945 في اليابان حيث أدى قصف هيروشيما إلى 140 ألف قتيل ثم ناغازاكي إلى 74 ألف قتيل، بعدها تم انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وقد تفحّم العديد من السكان بسبب الإشعاع الحراري، وخاصة من كانوا على بعد كيلومتر واحد من نقطة التأثير، وتحول بعض الناس، ممن كانوا داخل المباني، إلى هياكل عظمية.

إن المجاعة وتدمير جزء كبير من المحيط الحيوي ستكون العواقب الأكثر خطورة، وقبل الحرب في أوكرانيا كان يبدو من غير المرجح أن تتصادم القوى العظمى مرة أخرى.

في سيناريو حرب نووية بين روسيا والولايات الحدة، في ضوء دراسة أُنجزت عام 2008، توقعت أن تطلق روسيا 2200 سلاح على الدول الغربية، وأن تطلق الولايات المتحدة بالمقابل 1100 سلاح إلى الصين و1100 قطعة أخرى إلى روسيا، وهذه الحرب النووية الشاملة ستؤدي إلى وفاة 770 مليون شخص بشكل مباشر.

وفي دراسة أخرى نُشرت في عام 2019، تتصور حرباً نووية تتسبب في حجب 30 بالمئة أو 40 بالمئة من ضوء الشمس في الأشهر الستة التالية، ما يؤدي إلى انخفاض هائل في درجات الحرارة، لتبقى أقل من درجة التجمد طوال فصل الصيف التالي في نصف الكرة الشمالي، وهو ما يعني شتاء نووياً بالمعنى الحرفي للكلمة.

في هذا السيناريو من المرجح أن يبقى أقل من ربع السكان على قيد الحياة حتى نهاية العام الثاني في معظم البلدان، وهذا الفهم المشترك لعواقب الكارثة النووية هو الذي أدى إلى البيان المشترك عام 1985 الصادر عن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان والرئيس السوفييتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف بأن «الحرب النووية لا يمكن كسبها ويجب عدم شنّها أصلاً»، وهو ما أكده الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في كانون الثاني 2022، ولا يزال صحيحاً مع احتدام الحرب في أوكرانيا.

عملياً؛ الدعم الغربي لكييف يزيد من احتمال نشوب حرب نووية، وانتقد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو مؤخراً الدعم الغربي لكييف لأنه «يزيد من احتمال نشوب حرب نووية في أوكرانيا وأن حرب عالمية ثالثة بنيران نووية تلوح في الأفق».

الرئيس بوتين قال: إن روسيا ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، في أول عملية نشر للأسلحة النووية خارج حدودها منذ 1991، وألمح إلى أنه قد يلجأ إلى الأسلحة النووية إذا ردّ عليه حلف شمال الأطلسي ال«ناتو» عسكرياً في أوكرانيا أو إذا واجه تهديداً مباشراً لنفسه أو لنظامه، وعندئذ سنكون في مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، مع وجود احتمال واضح لحدوث تصعيد نووي، وأضاف إن روسيا ستضطر لاستخدام «أفظع سلاح» إذا ما شعرت بأنها مهددة.

وقال: «إن من المستحيل إلحاق الهزيمة بقوة نووية»، وحذر من أنه إذا أدركت القيادة الروسية أن الوضع يهدد بالتسبب في تفكك روسيا، فإنها «ستستخدم أفظع سلاح»، ولقد تداولت وسائل إعلام روسية مؤخراً ما مضمونه أن «الناتو يحضر لضربة نووية لروسيا»، وهذا يؤكد أن طبول الحرب النووية تدق إعلاناً بأن العالم يواجه تهديداً وجودياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن