اقتصاد

أعـظم النار من مستصغر الشرر

| د. سعـد بساطـــة

مقالي اقتصادي بحت؛ وليس زراعياً أو تخصصياً بالبيئة كما يبدو؛ فما فائدة التنظير بمبادئ الاقتصاد لبيئة تكاد تتآكل بفعـل عـامل مثل (الحرائق؛ توسع ثقب الأوزون.. وغيرها)!

كلنا نعـرف أنّ الغـابات هي الرئة التي تعـمل كمصفاة لبيئة المدن من التلوث؛ ومصدر للخشب وكثير من النواتج. والكوارث كفيلة بإزالة الغـابات (القص الجائر- الرعـي المفرط- الحشرات والأوبئة- وعـلى رأسها الحرائق).

وهنا نتساءل حول الحرائق التي اندلعـت في بعـض غـاباتنا وأحراجنا، هل هي ظاهرة طبيعـية، عـفوية، دورية، أو هي إشارة خطيرة إلى تسارع التدهور في البيئة والمناخ بفعل «التصرفات» الاستهلاكية والانبعاثات الضارة بالطبقات الجوية، والتي هي من فعل البشر، أو مصانع وسيارات وطيارات البشر، وبالتالي بسبب «البترول والغاز» من الآخر، أو هي، في معظمها، بسبب «أخطاء» صغـيرة جداً، مثل بقايا عقب سيجارة، تحدث باستمرار، أو هي حرائق «مفتعلة» بغـرض قصدي واعٍ، من مشعـلي الحرائق في الغـابات، كما أعلنت دول مثل إسبانيا والجزائر الصيف الماضي؟!

كل هذه أسئلة واحتمالات لا يجب «إهمال» واحد منها لحساب الآخر، أو شطب احتمالية لمصلحة ثانية، بسبب هوى معـيـّن!

يقال إن النار اكتشفت منذ 400 ألف سنة قبل الميلاد؛ وأضفت دفئاً عـلى العـصر الحجري؛ كلنا ندرك منافعـها (الدفء- النور- طهو الأطعـمة- تشكيل المعـادن..)؛ ولكننا الآن بصدد مناقشة محاذيرها!

ولا نغـفل أثناء ذلك النار الافتراضية التي يشعـلها البعـض بين زملاء العـمل؛ أو التي تندلع من خلال سياسات بائسة لمؤسسة ما!

وصل الحال مع مفكر مرموق، مثل «بول كروغـمان» أن يتحدث صراحة عـن (تسييس قضية المناخ) حيث يقول بمقاله بـ«النيويورك تايمز»، إن السياسات العـالمية حول المناخ ربما لا تكون من الناحية العـملية قضية مركزية، لكن على البشر أن يدركوا أنها من أهم القضايا التي يجب أن يهـتموا بها. وقال صراحة: «يجب علينا تسييس المناخ؛ لأننا أصبحنا نعيش في زمن تتسارع فيه الكوارث المتعلقة به». ويظل السؤال السهل – الصعب: ما حجم السياسة والأجندة الخفية، في تناول موضوع المناخ والبيئة؟ ما الحجم الطبيعي والحقيقي لأثر الصناعات والانبعاثات على البيئة – التي بالمناسبة يبدو أثرها حقيقياً من حيث التصوّر البدهي؟! وما السُّبل «النظيفة» من الأغراض السياسية للتعاون وليس «التكايد» السياسي؟! نعم ثمة شكوك، وربما شكوك متطرفة، في عمل أجندة جماعات البيئة وحواضنها السياسية الغربية الليبرالية، وحتى المؤسسات الدولية المُوجّهة منها، في عفوية سردية البيئة؛ كيف تُعالج هذه الشكوك؟

دعـت الإدارات المختلفة المتنزهين والمزارعـين والعـاملين في مناطق الغـطاء النباتي والمزارع والمراعي لأخذ الحيطة والحذر، وكشفت أن الحرائق تحدث لأسباب عـديدة: حرق المخلفات الزراعـية، وإشعـال النيران للطبخ، وإطلاق الأعـيرة النارية، والحرائق العـمد لتوسيع الأراضي المعـدة للبناء، واستخدام المفرقعـات النارية، ورمي الزجاج الذي يتأثر بأشعة الشمس، ما يؤدي إلى تفاقم النيران وتوسعها لمساحات كبيرة يصعب السيطرة عليها وإخمادها.

دعـونا نمرح قليلاً؛ اندلعـت النار في مبنى سكني؛ فما كان من المالك إلا أن أهمل مقتنياته؛ وأخذ يذرع الدرج صعـوداً وهبوطاً؛ سأله صديقه مستغـرباً تصرفه؛ أشار إلى لافتة كتب عـليها (في حالة الحريق؛ استعـمل الدرج)!

في المقابل، هناك جهات وأسماء كبيرة، تعتقد جازمةّ أنَّ الحرائق والفيضانات وانحسارات الأنهار، وعواصف الجليد، أو باختصار كل ظاهرة مناخية مختلفة، بسبب مصانع وسيارات وطيارات ومحطات البشر، فقط، لا غير.

ببساطة: جوابنا عـلى تساؤلات «كروغمان» الملتهبة «الحل بالوضوح ونبذ السياسة والأهواء الإيديولوجية الخفية منها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن