ثقافة وفن

حازت جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون … رحيل ليلى نصير «الرائدة» التي كانت المرأة القوية والصبورة موضوعها في أغلب لوحاتها

| وائل العدس

حازت جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون في نسختها الثالثة، تكريماً لعطائها الفني الواسع على اعتبارها أحد رواد الفن التشكيلي السوري، وتقديراً لإنجازها الإبداعي الذي تمخضت عنه مسيرة امتدت لخمسة عقود، اختبرت خلالها شتى الأساليب والتيارات الفنية وصولاً إلى مرحلة من النضج الفني وهو ما أفضى إلى عشرات الأعمال الفنية ذات الخصوصية المتفردة والقيمة الفكرية والإبداعية العالية.

إنها الفنانة ليلى نصير رائدة الفن التشكيلي السوري التي نعتها وزارة الثقافة واتحاد الفنانين التشكيليين في سورية بعد أن فارقت الحياة صباح الأربعاء الماضي.

فنانة التجربة

منذ صغرها حملت قماشتها البيضاء وبدأت تجول الشوارع ترسم ما تراه، وعلى دفترها رسمت أيضاً حكايات ملونة عن الفلاحات العاملات في الحقل.

تطلق على نفسها لقب «فنانة التجربة»، والآخرون يلقبونها «بالرائدة»، منذ بداياتها كان الإنسان شغلها الشاغل والمحرك الأكبر في مشروعها الفني.

إنها ابنة الحضارات والأساطير، هي للجرأة عنوان عريض، وفضّلت لكونها امرأة أن تكون سابقة، ورقماً صعباً من النادر أن يتكرر.

وجودها المستقل هو المحرك الأكبر في حياتها، والاستمرار لرسالة سورية فنية خطّت في صفحات التاريخ كلّ عراقة ورقي.

كانت أول امرأة تواظب على الذهاب إلى المقاهي الشعبية في اللاذقية في فترة الستينيات، وقد رسمت وجوه العابرين بأقلام الرصاص، ما جعل صاحب المقهى الذي كانت ترتاده يحتفظ بكرسيها حتى اليوم.

ركزت على تيارات الواقعية الكلاسيكية والحديثة، واختبرت التعبيرية التجريدية والسريالية، فضلاً عن الطباعة وفن النحت، مستخدمةً الرصاص والباستيل والألوان الزيتية والأكرليك وسواها، ما مكّنها من توسيع معرفتها وقدرتها على التعاطي الأمثل مع العمل الفني.

تنبع خصوصية تجربتها الفنية الطويلة من قدرتها على الالتزام الكامل في أنساقها البصرية المختلفة بمراحله المتلاحقة بموضوع الإنسان في حالاته المختلفة، ولاسيما الإنسان البسيط الذي يعارك الحياة بقساوتها اليومية ويعاني مرارة الظروف من حوله، الأمر الذي يخلف لديه العديد من الأمراض والاضطرابات النفسية العقيمة في بعض الأحيان.

أسرة أدبية

ولدت الراحلة يوم الخامس عشر من شهر آب عام 1941 في بلدة الحفة شمال مدينة اللاذقية، حصلت على بكالوريوس في التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1963، وظلّت على مدى عشرات السنين اللاحقة تعمل في الحقل التشكيلي.

ترعرت ضمن أسرة تهتم بالفكر والأدب، فكانت أسرتها تملك مكتبة منزلية تحتوي مؤلفات كتّاب معاصرين مثل: جبران خليل جبران وطه حسين وبودلير ومارك توين، كما كانت أمها تحب الأدب العربي والغربي في آن واحد. من هذا المناخ الثقافي العائلي نمت موهبتها وشخصيتها الفنية، وهي إلى جانب الرسم تكتب الشعر والقصص والقصة القصيرة.

عملت أستاذة محاضرة في كلية العمارة بجامعة تشرين وأعمالها مقتناة من وزارات الثقافة والسياحة والداخلية والمتحف الوطني بدمشق ومؤسسة بارجيل للفنون في الشارقة وعدد من المعارض في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، وحصلت على براءة تقدير من رئاسة مجلس الوزراء عام 1989.

شاركت في معارض في كل من بيروت وطرابلس وبغداد والقاهرة وعمّان والجزائر وباريس وموسكو ولينينغراد وصوفيا وبون وبكين.

المرأة الأساس

إن الهم الأساس في أعمال نصير هو المرأة، فالأخيرة هي البطل في كل اللوحات، ولكن جسدتها بالمرأة القوية والصبورة، وبالمرأة الجبارة التي تشبه حجارة الجولان من حيث الصلابة والمتانة، إضافة إلى النظرة النَمِرية للمجتمع.

إن المرأة أكثر حضوراً في همها، وعلى التحديد أكثر حضوراً في همها الإنساني، وقد خلقت مناخاً للعزلة لنستخلص منها تجارب وجدانية وليبدو أنها ترسم ذاتها، وترسم زمناً فُرض عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن