روعي تسيزنه، بروفسور إسرائيلي مختص بتوقعات المستقبل في جامعة تل أبيب، نشر تحليلاً قبل عام تقريباً في المجلة العلمية السياسية الصادرة بالعبرية باسم «هايادعان» تحت عنوان: «هل نقترب نحو حرب عالمية ثالثة؟» توقع فيه أن تتطور الحرب التي اندلعت في شباط 2022 بين روسيا وأوكرانيا وبشكل أدق بين الغرب وروسيا وحلفائها على الأراضي الأوكرانية، إلى ما يمكن تسميته الحرب الفاترة في المستقبل المنظور، ووضح بأن «العالم بدأ يدخل في نوع من الحرب الباردة الجديدة هي الحرب الفاترة وأن هذا النوع من الحرب تقاتل فيه الدول الكبرى بعضها بعضاً بكل الأشكال لكن من دون إعلان صريح مباشر بالحرب ضد بعضها بعضاً وستستخدم في هذه المجابهة حرب المسيّرات المسيطر عليها والحرب النفسية والحرب السيبرانية»، ويضيف تسيزنه: «لكن السؤال المهم هو: هل ستتطور الحرب القائمة الآن إلى حرب عالمية ثالثة؟».
يرى تسيزنه أن حرباً عالمية يجري فيها استخدام كل الأسلحة بما فيها النووية بين الجانبين «لن تحدث في أعقاب المواجهة المستمرة على الساحة الأوكرانية ضد روسيا، لأن دولاً أوروبية كثيرة تتركز في أراضيها أسلحة نووية بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، وليس فرنسا وبريطانيا فقط، على الرغم من أن عدد الصواريخ النووية الروسية كبير، ويتوقع أن حرباً فاترة وليست باردة أو ساخنة جداً هو وضع الحرب التي ستسود»، وأنه مهما طالت الحرب قبل الحل، ستظل فاترة وخاصة لأن الدول التي تقوم بمحاصرة روسيا وفرض العقوبات عليها لم تعلن حرباً على روسيا رداً على العملية العسكرية التي قامت بها موسكو في أوكرانيا، ويرى تسيزنه أن «أحدا لا يستطيع أن يحسم هذه الحرب بانتصار تام يفرض فيها شروطه على الآخر دون قيد أو شرط إلا إذا ضمن عملياً تأمين سلاح سيبراني يمنع بواسطته وبعد تجربته سقوط أي صاروخ نووي أو غير نووي على بلاده، وربما يشن عند ذلك حرباً وقائية مسبقة لا تكون صواريخه فيها قابلة لأي صد، وهذا ما لم يتوصل إليه أحد حتى الآن في أغلب الاحتمالات».
الكيان الإسرائيلي يدرك أن هذه المجابهة منذ شباط 2022 لا يمكن أن تستمر طويلاً حتى لو رغبت الولايات المتحدة بإطالة هذه الحرب، فأوكرانيا لن يكون بمقدورها تحمل نتائج الحرب على أراضيها لعام آخر بموجب تقديرات معظم الخبراء بالشؤون الدولية وحروبها، وهذا ما ألمح إليه بوضوح مدير مكتب الأمين العام لحلف الـ«ناتو» ستيان ينسن، حين أعلن في 16 آب الجاري أن «أوكرانيا يمكن لها أن تتخلى عن الأراضي التي احتلتها موسكو مقابل موافقة الحلف على ضمها إلى عضويته»، ثم عاد بعد يوم واعتذر عن هذا التصريح، وبالتالي هناك اعتقاد بوجود نوع من المؤشرات إلى وجود وساطات تدعو لإجراء مفاوضات بين الغرب وموسكو على التوصل إلى حلول وسط وخاصة حين يجد الغرب أن كل ما استخدمه من أسلحة زود بها أوكرانيا لم يحقق الأهداف الأميركية والأطلسية بل زاد من معاناة أوكرانيا ودمارها.
وبالمقابل ما يزال الكيان يحافظ على موقف يمتنع فيه عن الاصطفاف المباشر والعلني مع أوكرانيا وبموافقة أميركية وهو يدرك أنه لا يستطيع تجنب خسارته الفادحة من حتمية انتهاء هذه الحرب بتغيير النظام العالمي الأميركي واستبداله بنظام متعدد الأقطاب تستأثر روسيا والصين بدور رئيس ومهم في تشكيل قواعده واتجاهاته التي لن تكون لمصلحة الكيان وحليفه الأميركي في المنطقة.
كاسانيا سفيتلوفا نشرت تحليلاً في مجلة «زمان يسرائيل» بالعبرية في 22 شباط الماضي بعد مرور عام على تطورات الحرب، جاء في خاتمته: «من المؤكد أن عالمنا لن يعود أبداً إلى ما كان عليه قبل يوم من هذه الحرب، وأوروبا ستكف عن رؤية أنها تواجه قوى شمولية تهددها، وستنزع عن عينيها النظارات ذات اللون الوردي، فحرب (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين كانت تجربة بارزة لتغيير البنية الأمنية والسياسية العالمية ولن تكون روسيا الدولة الأخيرة التي ستتحدى الغرب وشركاءه»، وهذه النتيجة التي قيلت قبل عام ونصف العام هي التي ستشهدها أوروبا والولايات المتحدة ونظامها العالمي في المستقبل القريب.