المبادرة العربية في سورية والقرار الأميركي الأصعب.. عندما تكون الرياض ومسقط كدمشق!
| فراس عزيز ديب
«إذا أردنا أن نعرفَ ماذا في إيطاليا، علينا أن نعرف ماذا في البرازيل»؟ عبارة أضحكتنا كثيراً زمنَ الكوميديا السورية الصادقة وقد نستخدمها معَ كلِّ مرة تتقاطع فيها الأحداث السياسية عبرَ العالم لدرجةِ التصادم لكون الكوميديا هي الطريق الوحيد للنجاة من مقاصل الحدث السياسي.
قبلَ أمس، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب احتمالَ تغيبهِ عن المناظرةِ السياسية الأولى للمرشحين الجمهوريين المحتملين للانتخابات الرئاسية القادمة، تلكَ المناظرات هي بمثابةِ امتحانٍ للمرشحين يسهِّل على منتسبي الحزب عمليةَ انتقاء مرشحهِم النهائي للمعركةِ الرئاسية القادمة أمام الرئيس الحالي ومرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، لكن اللافت أن سبب تغيب ترامب عن هذهِ المناظرة ليسَ المرض ولا العجز ولا حتى اليأس، سبب تغيبهِ أن استطلاعات الرأي تعطيهِ تقدماً بفارقِ عشرات النقاط عن أقرب منافسيهِ في الحزب الجمهوري وهو يريدُ تجنبَ هذهِ المناظرات لأنه لا يريد لها أن تكونَ دعايةً مجانية لأشخاص مغمورين على حدِّ تعبيره، ما يعني أننا سنكون عملياً أمام مرشحٍ قوي يستند إلى الكثير من الركائز التي تدعم موقفه أهمها الوضوح في السياسات يكمل فيها المشوار الذي بدأه خلال ولايته الرئاسية الأولى التي حقق فيها الاقتصاد الأميركي أرقاماً مرعبة على صعيد النمو بتعويم فكرة تقوقع الولايات المتحدة لخدمة الولايات المتحدة والمواطن الأميركي أو ما كنا نسميه اصطلاحاً: «الترامبية السياسية».
دائماً ما كُنا نكرر مصطلح «الترامبية السياسية» لأن التعاطي مع الصعود الصاروخي لدونالد ترامب في عالم السياسة من زوايا ضيقة هو بمثابةِ تسخيفٍ لترابط الأحداث المفصلية، أكثر من ذلك كنا دائماً نطرح تساؤلاً مهماً: ماهي مشكلتك كمواطن عربي مع خطاب دونالد ترامب؟ علماً أن الرجل قالها صراحةً إنه ضد الحروب بل وأعلن عن سحب القوات الأميركية من سورية حتى قامت الدولة العميقة بممارسةِ ضغوطٍ عليه للاحتفاظ ببضعة عشرات من الجنود بذريعة محاربة داعش وغيرها الكثير من المواقف التي كانت معروفة للجميع، لكن الأجوبة عن هذه التساؤلات كانت دائماً بعيدة عن العقلانية من بينها النزوع فقط نحو اتهامه بالعنصرية!
بالتأكيد من المبكر الآن الحديث عن خطاب هذا المرشح أو ذاك، لكن هذهِ المقدمة قد تبدو ضرورية لفهم ما تعانيهِ الإدارة الأميركية الحالية وبصورةٍ أدق الآلية التي تتعاطى معها الإدارة الديمقراطية الحالية في الملفات التي سيكون لها تأثير كبير على خيارات الناخب والتي يهمنا منها حالياً هو الملف السوري، فكيف ذلك؟
يدرك الديمقراطيون بأن معركةَ التجديد في البيت الأبيض هذه المرة ليست كما كل مرة، المحاولات الحثيثة لإخفاءِ الحالة الصحية للرئيس جو بايدن باءت بالفشل لدرجةِ أن هناك تقارير تتحدث عما هو أبعد من مجرد زهايمر، من دون تجاهل فكرة أن هناك خوفاً من تغييب الرئيس قبل انتهاء ولايته، ما يعني وضع الديمقراطيين بين سندان الاستعجال بتحديد البديل ومطرقة البديل نفسه، من هو؟
يعترف الديمقراطيون بأن البدائلَ في الحزب شبهَ معدومة، لا نتحدث هنا عن مفهومِ الكفاءة في الاقتصاد أو السياسة أو حتى العسكر، نتحدث عن تلكَ الشخصية التي تجمع كل هذهِ المزايا بالإضافة لكاريزما قادرة على الوقوفِ بوجه ترامب، ربما هناك من يوصِّف الواقع بطريقة أكثر منطقية عندما يرى بأن خيار الاعتماد على بايدن أساساً كان ضرورة لأنه آخر الشخصيات الوازنة التي كان بإمكانها إلحاقَ الهزيمة بدونالد ترامب وأي شخصية بديلة كانت ستعني حصول ترامب على أربع سنوات إضافية، هذا الكلام يبدو صادقاً تحديداً أن سنوات حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما أقصت الكثير من الشخصيات الديمقراطية التي كانَ من الممكن لها أن تكون قادرة على تحمل المسؤولية عند حدوث طوارئ، لأن فرصَ منافستها لأوباما كانت شبهَ معدومة، أكثر من ذلك هناك من يتحدث اليوم عن مجموعةِ أفكار بحال حدوث هذا الطارئ يتمثل بصعودِ ميشيل أوباما زوجة الرئيس الأسبق إلى الساحةِ السياسية للاستفادة من الشعبية الجارفة التي يتمتع بها باراك أوباما، كل هذا يدخل في الإطار الداخلي لكن يبقى السؤال الأهم وماذا عن الملفات الخارجية؟
منذ إسدال الستار على اجتماعاتِ الجامعة العربية أو ما عُرفَ بقمةِ جدة، كان هناك الكثير من المبالغة في الاتجاهين السلبي والإيجابي في التعاطي مع الملف السوري، هناك من لم يوفِّر فرصة ليضربَ بنتائج هذه القمة والانفتاح العربي على سورية لأنهم لا يريدون سورية بعمقها العربي، البعض الآخر أفرطَ في التفاؤل من نتائج هذا الاجتماع لدرجةٍ بات فيها معرَّضاً للإحباط مع كلِّ تصريح لا يتناسب مع التفاؤل، قلة قليلة هي من تعاطت بروية وواقعية لأنه كان واضحاً للقاصي والداني أن المشكلة في سورية متداخلة إلى حدٍّ بعيد لا يمكن حلها عبر اجتماع أو قمة، ليبدو التداخلَ الأهم فيها ينحصر بمسارين:
المسار الأول: الحل السياسي هنا لا يبدو في الأمر أي مشكلة فالجانب السوري لم يمانع يوماً من الحديث عن الحل السياسي بما فيها فكرةَ تعديلِ الدستور، لكن بما يتفق عليه السوريون أنفسهم وليس كما كان يُراد عبر دساتيرَ جاهزة ينحصر فيها دور الحاضرين بالتصديق عليها فقط، دساتير جاهزة بصبغةٍ طائفية على طريقةِ دستور بريمر في العراق الذي صفقَ لهُ كل من رأى بسقوط صدام حسين انتصاراً، لكن المشكلة الحقيقية اليوم، أو المهمة الأصعب التي سيتعين على الدول العربية الراعية لهذا الحراك تحقيقها هي مسألة إنضاج خلطة أطيافٍ معارضة ينبثق عنها وفد ما قادر أن يواجهَ وفد الحكومة السورية، هذه المعضلة ربما ستأخذُ وقتاً أكثر من المفاوضات نفسها، هل ستقبل المعارضات المنقسمة أساساً، صيغةَ حكمٍ لا تأتي بها كما ترغب على ظهرِ دبابةٍ أميركية أو من دون شروطٍ مسبقة؟ هل سيتم اعتماد فكرة أن الرافض للمفاوضات لا مكان لهُ في سورية المستقبل وبموافقةِ الدولة التي تستضيفه؟ أم أن الدول العربية الراعية لهذا الحدث تدرك تماماً أن وضع المعارضات السورية أمام مسؤولياتها ستنتج عنها عملية اصطفاء طبيعية لمعارض حقيقي همه مستقبل سورية لا مستقبله الشخصي؟ إن نجحت هذه الدول بإقناع هذه المعارضات عندها لن يكون مكان انعقاد الاجتماعات مهماً، مسقط والرياض هما كدمشق عندما تكون النيات صادقة والأهداف نبيلة.
المسار الثاني: انسحاب القوات الأجنبية من سورية، يبدو هذا المسار أقل تعقيداً، في سورية هناك نوعان من القوات الأجنبية، قوات دخلت بالاتفاق مع الحكومة السورية لمحاربةِ الإرهاب وهو ما ينطبق على قوات الجيش الروسي وقوات دخلت من دون الاتفاق مع الحكومة السورية وهو ما ينطبق على الاحتلالين التركي والأميركي وبعض الجنود من جنسيات «ناتوية» مختلفة، هناك من سيسأل وأين القوات الإيرانية؟ الجواب هنا بسيط، لا توجد قوات للجيش الإيراني على الأراضي السورية ومن لديه هكذا معلومات فليزودنا بها، أما بما يتعلق بالقوات الرديفة للجيش العربي السوري بمعزل عن جنسيتها فهي كانت موجودة لمقاتلة الإرهابيين، قرار انتهاء الحاجة إليها لا يحتاج لأكثر من ساعات لإنهاء وجودها، لكنه من جهةٍ أخرى مرتبط بانتهاء الحرب على الإرهاب واستعادة سورية لثرواتها الباطنية، هذه المقاربة مفيدة كثيراً لكي لا يتحول هذا المسار إلى موضعِ جدل، ولكي تتضح الصورة أكثر فإن نجاح المبادرة العربية بالمسارين مرتبط بالقرار الأميركي فيهما، ولعل هذا السجال الداخلي قد يسرِّع من رغبات البيت الأبيض بالظهور بمظهر القادر على إنهاء الحرب في سورية وعدم إعطاء دونالد ترامب ملفاً يمتلك فيه الكثير من النقاط الإيجابية خلال الحملات الانتخابية، بالسياق ذاته قد تنجح الدول العربية الراعية لهذه المبادرة بفرضِ نفسها كلاعبٍ قادرٍ على حل الأزمات العربية وما بعد العربية، تحديداً أن الطرف الرسمي السوري منحَ هذه الدول كامل الثقة لمساعدتها على تجاوز الكثير من المصاعب التي قد تعترضها، لكن المشكلة تكمن عند الأميركي وما يريدهُ الأميركي، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الخروج الأميركي من مناطق الثروات السورية يعني إيذاناً بانتهاء الحرب وبدايةَ مرحلةٍ جديدة قد تحمل الكثير من الأفكار على المستوى المحلي، فهل سيطول الوقت حتى تتضح الأمور؟ لا نعتقد ذلك!