حيثما نظرنا من حولنا على امتداد العالم، نرَ أن رقعة «المناطق الساخنة الحمراء» تتوسّع بالتوازي مع تساقط «خطوط السياسة الحمراء»، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بشَّر العالم بأن «عصر الانحباس الحراري انتهى، وبدأ عصر الغليان العالمي»، ودعا إلى اتخاذ إجراءات جذرية وفورية تتعلَّق بالتغير المناخي، بعدما وصف درجات الحرارة المرتفعة بشكلٍ غيرِ عادي خلال تموز وآب 2023 ولاسيما، في نصف الكرة الأرضية الشمالي بأنها «مرعبةٌ».
المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أكدت أن شهري تموز وآب 2023 أكثر الشهور حرارة على الإطلاق منذ نحو 10 آلاف سنة، وتجتاح موجات الحر والحرائق مساحات شاسعة من العالم قبل انطلاق أعمال قمة شرم الشيخ للمناخ في تشرين الثاني 2023، وعلى هامش اجتماع لممثلي الحكومات التي كانت تتهيأ للمشاركة بمؤتمر عُقد في العاصمة الكونغولية كينشاسا، تحدث غوتيريش عما سماه، «الفوضى المناخية القادمة»، وأكد يومها أن انبعاثات الغازات المسببة الاحتباس الحراري آخذة في التزايد بشكل غير مسبوق، وأن الوقت قد حان «لتسوية» بين البلدان المتقدمة الغنية التي تسببت في معظم الغازات المولدة للاحتباس الحراري، والاقتصادات الناشئة التي غالباً ما تشعر بأسوأ آثار تلك الانبعاثات.
المتابعون دُهشوا من جرأة الأمين العام غير عابئ بمواقف الكبار، فقد اتهم دول مجموعة العشرين الأكثر ثراءً في العالم، بالمسؤولية عن حرائق الطبيعة.
المهم في كلام غوتيريش توجيهه رسالتين في آن: الأولى تحذير العالم الذي تجاهلت بعض نخبه الخطر البيئي، والثانية إدانة غير مباشرة لهذه النخب التي غلّبت مصالحها الآنية على مستقبل البشرية.
الأمين العام شدّد في كلمته على الحاجة إلى «أهداف طموحة جديدة» من أعضاء «مجموعة العشرين» والتركيز على ضرورة تقديم البلدان المتقدمة «خريطة طريق واضحة وذات مصداقية لمضاعفة تمويل التكيف المناخي بحلول 2025، وأنَّ العالم بحاجة إلى ضمان التزام البلدان المتقدمة التوصلَ إلى صافي انبعاثات صفرية خلال أقرب وقت ممكن من عام 2040».
في القارة الأوروبية، ترتفع درجات الحرارة في بعض دولها، وبشكل غير مسبوق، وتتساقط كرات الثلج في دول أخرى كما حدث في إيطاليا، رغم أن درجة الحرارة وصلت فيها إلى نحو 45 درجة مئوية، على حين اندلعت الحرائق في أماكن ثالثة كما الحال في اليونان.
وبعيداً عن الهمّ المناخي البحت، أعتقد أن «الإحراق» السياسي والأجواء السياسية العالمية الساخنة والتهديد بحرب عالمية ثالثة لا يقلّ خطراً عن ألسنة اللهب على مستقبل وجودنا، فاليوم؛ حيثما نظرنا من حولنا على امتداد العالم، نلاحظ تساقط «خطوط السياسة الحمراء».
وإذا كانت الحدود السياسية في قلب أوروبا بدأت تفقد حصانتها، ونرى أن رقعة «المناطق الساخنة الحمراء» تتوسع وأخذت الشعبوية المتطرفة تهدّد مناعتها وسط القلق الديموغرافي من الهجرة وعودة الهواجس إزاء إعلان روسيا إصرارها على الحفاظ على أمنها القومي وإطلاق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ودخول حلف الـ«ناتو» بشكل غير مباشر في الحرب الأوكرانية، ودعمه المباشر لأوكرانيا لدرجة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر من أنه قد يستخدم السلاح النووي إذا تعرضت روسيا للخطر، لا تبدو منطقتا أميركا الشمالية وشرق آسيا بمنأى عن الخطر.
في الولايات المتحدة؛ أيقظ الرئيس السابق دونالد ترامب «قناعات» كانت قد تراجعت بعد سقوط «المكارثية»، لا يُستبعد أبداً أن تعيد في العام المقبل «تجربة المجرّب» فتراهن على إدارة جمهورية بقيادة ترامب أو من يسير على خطاه.
في الشرق الأقصى وآسيا، الصورة العامة تنذر بحرب واسعة، الزعامة الصينية الحالية تزداد قوة، والتوتر الأميركي الصيني بشأن تايوان في تصاعد، وتقارب بكين التكتيكي مع موسكو إزاء أوكرانيا، وتنافسها المكشوف مع «هند» هندوسية وقومية متشددة انقلبت كلياً على إرث غاندي- نهرو، في الشرق الأوسط.
بعد سبعة عقود على خلق الكيان الصهيوني في ظل نظامٍ فاشي عنصري متطرف قائم على احتلال أراضي أصحاب الأرض الأصليين، يسعى رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو لتفادي زجّه في السجن بتهم الفساد عبر مشروعه الصهيوني الاستيطاني بالتحالف مع قوى التطرّف والأصولية ورموز الفساد باعتماده الكلي على دعم قوى استيطانية وفاشية معادية جوهرياً للسلام والتعايش والاعتدال، ونشوء نظام قائم على التمييز والتزمّت والقمع والقهر.
هل كانت قراءات غوتيريش تنبؤات ذاتية، أم توقعات علمية؟ بعد تسعة أشهر تقريباً، يثبت للعالم هذه الأيام أن الرجل كان صادقاً إلى أبعد حدّ وعلى مستويين: الأول: يتعلق بعدم وجود إرادة سياسية حقيقية من الدول السبع الصناعية، وبقية العشرين المسيطرين على مقدرات الحياة السياسية والمالية حول العالم؛ الآخر: موصول بما يجري على سطح الكرة الأرضية، من تحولات مناخية فوضوية بالفعل.
توقع كبير علماء المناخ في وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» غافين شميت، أن يكون شهرا تموز وآب 2023، الأكثر سخونة على الإطلاق، منذ «مئات إن لم يكن آلاف السنين»، وختاماً العالم يتغير فالأرض ملتهبة وحرارتها في ازدياد، والأجواء السياسية تزداد توترا وسخونة والعالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة.