جاء الاجتماع الوزاري العربي بالقاهرة، يوم الثلاثاء الماضي، داحضاً للعديد من التقارير التي راجت في غضون الشهر المنصرم والتي كانت في العديد منها تشير إلى أن مسار التقارب العربي مع دمشق تعترضه عقبات وازنة قد يكون من الصعب النجاح في إزالتها، وعليه، تضيف تلك التقارير التي استند بعضها في معلوماته إلى مصادر كما تقول، فإن سكة التقارب آنف الذكر وصلت إلى حال من الانسداد بات من الصعب معها الرهان على كسرها أو إزالتها أملا في استعادة تلك السكة، لنشاطها الذي سبق وأن شكلت «قمة جدة» في الـ 19 من أيار المنصرم، أرضية له، قياساً لاعتبارات عدة لعل أبرزها هو حضور الرئيس بشار الأسد لتلك القمة بعد انقطاع دام لنحو 12 عاماً، وللحدث اعتباراته التي تتشعب في اتجاهات شتى ومن الصعب حصرها في اتجاه واحد، ثم إن «بيان جدة» الصادر عن تلك القمة كان أقرب لأن يكون طياً لصفحة وفتحاً لأخرى في سياق العلاقات العربية – العربية بكل ما تحتويه الأولى من تنافر وتضارب كان لهما أثر كبير على الأحداث التي مرت بها المنطقة، وبكل ما تبشر به الأخيرة من إمكانية قيام آليات جديدة وهي قادرة عبر مقاربات مختلفة، على نسج إستراتيجيات من شأنها أن تساعد في إيجاد حلول للأزمات التي عاشتها، ولا تزال دول عدة في المنطقة، فيما الملامح تشير، إذا ما استمر الحال هكذا، إلى إمكان أن تتمدد الأزمات بشكل أو بآخر نحو دول ظلت بمنأى عن تلك الأزمات حتى الآن.
جاءت مخرجات اجتماع القاهرة، الذي ضم وزراء خارجية سورية والسعودية ومصر إضافة للعراق ولبنان، لتكشف عن أن التوافقات التي نشأت ما بين أطرافه والتي شكلت مناخات مبشرة لـ«المبادرة العربية» التي اعتبر «بيان عمان» الصادر في 1 أيار المنصرم أساسا لها، لا تزال قائمة بين كل تلك الأطراف وأن أحداً منهم، أي من تلك الأطراف، لم يبدِ أي تحفظات تجاه الطروحات التي شهدها الاجتماع الأمر الذي يمكن رصده من خلال البيان الصادر في نهاية الاجتماع الذي قال: «اتسمت اللقاءات بالتوافق على مجمل القضايا التي تمت مناقشتها، الأمر الذي مهد الطريق للخروج ببيان ختامي عن اجتماع القاهرة يؤسس لعمل عربي مشترك من شأنه أن يحرك الجمود الواقع على الملف السوري»، ناهيك عن أن العديد من التقارير، الأردنية، كانت قد أشارت إلى وجود توافقات مرضية جرى التوصل إليها في إطار الاجتماع «الوزاري الأول للجنة الاتصال العربية» الخاصة بسورية وفقاً لما ورد في جريدة «الدستور» القريبة من دوائر صنع القرار السياسي بعمان، وللأمر أهميته قياسا لكون الأخيرة لعبت دور «رأس الحربة» في صياغة «المبادرة العربية» ناهيك عن أنها ما انفكت تعمل على نسج صياغات ثنائية ما بين دمشق وباقي العواصم من شأنها أن تلعب دوراً إسنادياً لهذه الأخيرة.
تبرز النقاط الخمس التي تضمنها البيان الختامي الصادر عن اجتماع القاهرة مسعى عربياً حقيقياً يجهد باتجاه وضع ركائز، وثوابت، داعمة لكلا المسارين، «أستانا» و«اللجنة الدستورية»، المعنيين، بشكل منفرد أو تكاملي إن أمكن، بإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، فالبيان الذي أكد على «ضرورة خروج كل القوات غير الشرعية» جنباً إلى جنب تأكيده على «الحفاظ على وحدة الأراضي السورية» و«تكثيف التعاون مع الحكومة السورية»، كان يريد القول: إن ما سبق كله هو ثوابت لا بديل عن اعتمادها في أي حل تسووي، وهي يجب أن تمثل «المنطلقات» لأي مبادرة جديدة أو قديمة «محدثة» تسير في اتجاه إنجاز أمر من هذا النوع، وهو، أي البيان، أظهر تفهماً أكبر للموقف السوري الخاص بعودة «اللاجئين» السوريين عبر تركيزه على «ضرورة دعم مشاريع التعافي المبكر» الذي يعني هنا ضرورة توفير الظروف المناسبة لعودة هؤلاء إلى ديارهم، وذاك فعل يتناقض بالتأكيد مع الموقف الأميركي الساعي إلى عرقلة إنجاز ذلك الملف عبر اجتراح قوانين وشرائع تقوم على ذريعة من هنا أو «توليفة» من هناك لاستصدار المزيد من العقوبات المفروضة على السوريين والتي تهدف في مراميها الأبعد إلى خلق حالة فصل ما بين الجغرافيا (الأرض) وبين التاريخ (البشر) السوريين كمقدمة لكي يدخل الشعب السوري مرحلة «التيه» الممهدة لدخول مرحلة التفتت والانشطار.
على صعيد الحل السياسي توافقت «اللجنة الوزارية العربية» على ضرورة «تفعيل المسار الأممي» الذي يقصد به هنا «مسار جنيف»، بعد أن جرى التوافق على نقل الاجتماعات من جنيف إلى العاصمة العمانية مسقط، في محاولة لتجاوز المشكلة التي تسبب بها الموقف السويسري تجاه الصراع الأوكراني والذي اعتبرته موسكو خروجاً عن «الحياد» الذي اعتمدته سويسرا شعاراً لها فأتاح لها أن تصبح مقراً لكل مفاوضات السلام التي تجري لحل النزاعات الدولية منذ أن رفعت ذلك الشعار، واللجنة هنا قامت بما يشبه برمي «الكرة» في ملعب المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية غير بيدرسون الذي لا تزال «أذنه» صاغية «لرفض أميركي بهذا الاتجاه يبدو أنه لا يزال حاكماً لرؤيته، ومن الراجح أن يثقل هذا الموقف على هذا الأخير دافعاً به نحو ضرورة وضع مقاربة جديدة لـ«عقدة المكان» التي حالت من دون انعقاد «اللجنة الدستورية» لمدة تقترب من السنتين، خصوصاً أن البيان الذي أصدرته «هيئة التفاوض العليا» المعارضة في أعقاب اجتماعها بجنيف 3 و4 حزيران الماضي كان قد أبدى استعداد «الهيئة» لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية بعد حل عقدة المكان».
ثمة شيء آخر يشير إلى أن مخرجات اجتماع القاهرة كانت من النوع الذي يمكن البناء عليه، فالمجتمعون توافقوا أيضاً على عقد اجتماع آخر «في وقت سيجري تحديده لاحقاً» على أن تستضيفه بغداد التي تحاول هي الأخرى، على الرغم من الصعوبات، لعب دور في أزمة جوارها السوري وهو يتناسب مع حقائق الجغرافيا التي تفرض على شعوب الجوار مصيراً مشتركاً طال الوقت أم قصر، ويتناسب أيضاً مع وقائع التاريخ التي تفرض معطيات سيكون من شأن تجاهلها حدوث «أعطاب» في آليات «المعالجة».