من دفتر الوطن

الكوكب الفاضل!

| عصام داري

علمت من مصادر مطلعة أن سبب موجة الحر التي مررنا بها أن آخر شخص دخل جهنم وبئس المصير لم يغلق البوابة بشكل محكم ما تسبب بتسرب القليل من حرارة جهنم «وصار اللي صار».

وعلمت أيضاً أن ذلك الشخص من «بلدياتنا» كما يقول الأشقاء المصريون، أي إنه من جماعتنا، والأهم أنه من «الإخوة الفاسدين» والعياذ بالله.

لكنني مع كل أسف لم أعرف اسمه، وأعدكم بأنني سأنشر اسمه الصريح وليس الأحرف الأولى من الاسم كما يحدث عادة!

المهم أن الفاسدين نقصوا فاسداً، لكن ترى كم عدد الفاسدين الذين سيملؤون مكانه بعد رحيله عن عالمنا غير مأسوف على شبابه؟

وما دمنا نتحدث عن معشر الفاسدين الأكارم، دعوني أذكركم بقصة قصيرة للأديب الروسي العبقري فيودور دوستويفسكي.

المعروف عن دوستويفسكي أنه روائي وليس قاصاً، أي إنه يكتب الروايات الطويلة التي تحتاج إلى أكثر من جزء كالجريمة والعقاب والإخوة كارامازوف والأبله وغيرها، لكنه كتب هذه القصة القصيرة التي لا يتجاوز عدد صفحاتها الخمسين صفحة.

ملخص القصة التي سأختصرها جداً وبتصرف، أن شخصاً كان يقف بأمان اللـه حين هبطت بالقرب منه مركبة فضائية فاختطفته وأقلعت كما هبطت حتى وصلت إلى كوكب بعيد عن أرضنا، وكان هذا الكوكب يساوي ويطابق المدينة الفاضلة التي تخيلها الفيلسوف الإغريقي أفلاطون.

كل شيء في هذا الكوكب مثالي، حيث الأخلاق والأمانة والصدق والغيرية والمحبة والإخلاص والتعاون والتعاضد وغير ذلك من الصفات الحميدة التي تجعل البشر أقرب إلى الملائكة.

استغرب صاحبنا هذا الشيء في «الكوكب الفاضل» الذي لا يشبه كوكبنا الأزرق في أي شيء، بل هو على النقيض من ذلك تماماً، وأراد أن يبحث عن السر، وكان عليه لتحقيق ذلك أن يتجول في أرجاء الكوكب ويلتقي الناس فيه.

بدأ يكتشف الأسباب التي تميز الناس هناك، فالمحبة والتفاهم تبدأ من الأسرة، ومن الزوجين معاً، فلا نكد ولا سؤال «كنت فين ومع مين.. وليش تأخرت» ولا مبررات لتقصير الزوجة في العمل والمنزل معاً، لأن الصدق هو عنوان الحياة الأسرية، وبدأ يسأل: ألا تظنين أن زوجك ممكن أن يخونك ويلتقي امرأة سواك، أو يفكر ربما بأن يتزوج من سيدة أخرى؟

بدأ الشك يساور الزوجة، والشيء نفسه طرحه بصيغة أخرى على الزوج، فانتقل الشك إليه، ومن يومها بدأت المشاكل بين الزوجين.

وهكذا فعل مع العمال فسألهم: ألا ترون أن هناك تفاوتاً في الرواتب والأجور بينكم، وأن هناك من يأخذ رواتب مضاعفة؟

لم يترك صغيرة أو كبيرة إلا وحشر أنفه فيها، فزرع بتدخلاته وأسئلته بذور الشك والريبة وعدم الرضا، فتعكرت حياة سكان الكوكب، وشيئاً فشيئاً نشبت الحروب وعم الخراب والدمار والفوضى في أرجاء ذلك الكوكب الذي كان هادئاً آمناً مطمئناً ليتحول إلى نسخة من كوكب الأرض بحروبها ومشاكلها وخرابها وفسادها المستشري!.

فتصوروا أن فاسداً واحداً استطاع تخريب كوكب كامل ونشر الفساد والخراب فيه، فكيف الحال عندما يكون عندنا في كوكب الأرض مجموعة «مرتبة» من الفاسدين المتمرسين في الفساد؟!

طبعاً حديثي عن كوكب الأرض، «فلا تفهموني غلط!».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن